للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعاش النَّاس في ذلك النُّور مدةً حتى استولت الظُّلمة على بلاد الشرق، وطفي نور النبوة والوحي، وقدَّموا العقول والآراء والسياسة والأذواق (١) على الوحي، وظهرت فيهم الفلسفة والمنطق وتوابعها. فبعث الله عليهم عبادًا له أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الدِّيار، وعاثوا في القُرى والأمصار، وكاد الإسلام أن يذهب اسمه وينمحي رَسْمُه.

وكان مشار هذه الفرقة وعالمها الذي يرجعون إليه، وزعيمها الذي يُعوِّلون عليه، شيخ شيوخ المعارضين بين الوحي والعقل وإمامهم في وقته: نصير الكفر والشرك الطوسي، فلم يُعلَم في عصره أحدٌ عارض بين العقل والنقل معارضته، فرام إبطال السمع بالكلية، وإقامة الدعوة الفلسفية، وجعل «الإشارات» بدلًا عن السُّوَر والآيات، وقال: هذه عقليات [ق ٧٥ ب] قطعية برهانية، قد عارضت تلك النقليات الخطابية. واستعرض علماء الإسلام وأهل القرآن والسُّنَّة على السيف، فلم يُبق منهم إلَّا من أعجزه؛ قصدًا لإبطال الدعوة الإسلامية، وجعل مدارس المسلمين وأوقافهم للبخشية (٢) السَّحَرة والمنجمين والفلاسفة والملاحدة والمنطقيين، ورام إبطال الأذان، وتحويل الصلاة إلى القطب الشمالي، فحال بينه وبين ذلك من تكفَّل بحفظ الإسلام ونصره.

وهذا كله من ثمرة المعارضين بين الوحي والعقل وتقديم العقل على


(١) بعده في «ح»: «والرأي». وهي زائدة، ليست في «م».
(٢) «ح»: «البخسية». والمثبت من «م». والبخشية: كهنة البوذية، عبدة الأصنام. ينظر: «منهاج السنة النبوية» (٣/ ٤٤٦) و «مجموع الفتاوى» (١٤/ ١٦٦) و «النبوات» (١/ ١٥٨) و «نهاية الأرب» للنويري (٢٧/ ٤٠٦).