فإن قلتم ما يقوله جمهوركم: إن ما عارضه عقليٌّ قاطعٌ تأولناه، وما لم يعارضه عقليٌّ قاطعٌ أقررناه.
قيل لكم: فحينئذٍ لا يمكنكم نفي التأويل عن شيءٍ، [ق ٨٦ ب] فإنكم لا يمكنكم نفي جميع المعارضات العقلية ـ كما تقدم ـ؛ إذ غاية ما معكم نفي العلم بها، وعدم العلم لا يستلزم عدم المعلوم. وأيضًا فمعقولات الناس ليست على حدٍّ واحدٍ، فهب أن معقولاتكم ليست تعارض ما أقررتموه فقد ادَّعى غيركم أن معقولاته تعارضها، وبيَّن تلك المعارضة بمقدمات أقوى من مقدماتكم التي عارضتم بها ما تأولتموه ومثلِها.
وأيضًا فعدم العلم بالمعارض العقلي القطعي لا يوجب الجزم بمدلول الدليل السمعي، فإنكم إذا جوَّزتم على الرسول أن يقول قولًا له معنًى وهو لا يريده ـ لأن في العقليات الدقيقة التي لا تخطر ببال أكثر الناس أو لا تخطر ببال الخلق في قرونٍ كثيرةٍ ما يخالف ذلك ـ جاز أن يريد بما أقررتموه ما يخالف مقتضاه، وعدم العلم بما يعارضه من العقليات لا يستلزم عدم المعارض في نفس الأمر، وهذا ممَّا لا جواب لكم عنه.
فإن قلتم: نتأول ما [لا](١) يُعلم بالاضطرار أنه جاء به وأراده، وما عُلم بالاضطرار أنه جاء به وأراد معناه أقررناه.
قيل لكم: فخصومكم من أهل الباطل يقولون لكم فيما أقررتموه: نحن لم نعلم أنه جاء بهذا ولا أراد معناه، كما قلتم أنتم فيما تأولتموه سواء.