للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جمهور السَّلف، وهو قول أُبي بن كعبٍ وعبد الله بن مسعودٍ وعبد الله بن عباسٍ وعائشة وعروة بن الزبير، وغيرهم من السلف والخلف (١).

وعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون (٢) لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص ولا الصَّحابة ولا التَّابعون لهم بإحسانٍ، بل يقرؤون كلامًا لا يعقلون معناه.

ثم هم متناقضون أفحش تناقضٍ، فإنهم يقولون: تُجرى على ظاهرها، وتأويلها باطلٌ. ثم يقولون: لها تأويل لا يعلمه إلَّا الله.

وقول هؤلاء أيضًا باطلٌ، فإن الله سبحانه أَمَرَ بتدبُّر كتابه وتفهُّمه وتعقله، وأخبر أنه بيانٌ وهدًى وشفاءٌ لما في الصدور، وحاكمٌ بين النَّاس فيما اختلفوا فيه، ومن أعظم الاختلاف اختلافهم في باب الصِّفات والقدر والأفعال، واللفظ الذي لا يُعلم ما أراد به المتكلم لا يحصل به حكمٌ ولا هدًى ولا شفاءٌ ولا بيانٌ.

وهؤلاء طرَّقوا (٣) لأهل الإلحاد والزندقة والبدع أن يستنبطوا الحقَّ من عقولهم وآرائهم، فإن النفوس طالبة لمعرفة هذا الأمر أعظم طلبٍ، والمقتضى التَّام لذلك فيها موجودٌ، فإذا قيل لها: إن ألفاظ القرآن والسُّنَّة في


(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٥/ ٢١٧) و «الوقف والابتداء» لابن الأنباري (٢/ ٥٦٨) و «القطع والائتناف» لابن النحاس (٢١٢ - ٢١٣) و «المكتفى» لأبي عمرو الداني (ص ٧٠).
(٢) «ح»: «والمرسلين». والمثبت من «م».
(٣) يقال: طرَّق طريقًا: إذا سَهَّله حتى طَرَقَه الناس بسَيْرهم. «تاج العروس» (٢٦/ ٨٠).