للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك لها تأويل لا يعلمه إلَّا الله، ولا يعلم أحدٌ معناها، وما أُريد بها، وما دلَّت عليه= فَرُّوا إلى عقولهم ونظرهم وآرائهم.

فسدَّ هؤلاء باب الهدى والرشاد، وفتح أولئك باب الزندقة والبدعة والإلحاد، وقالوا: قد أقررتم بأن ما جاءت به الرُّسل في هذا الباب لا يحصل منه علم بالحق ولا يهدي إليه، فهو في طريقتنا لا في طريقة الأنبياء، فإنَّا نحن نعلم ما نقوله ونثبته بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا تأويل ما قالوه، ولا بيَّنوا مراد المتكلم به، وأصاب هؤلاء من الغلط على السمع ما أصاب أولئك من الخطأ في العقل.

وهؤلاء لم يفهموا مراد السلف بقولهم: لا يعلم تأويل المتشابه إلَّا الله. فإن التأويل في عُرْف السلف المراد به التأويل في مثل قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ اُلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَد جَّاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: ٥٢] وقوله تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: ٥٨] وقول يوسف: {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَايَ مِن قَبْلُ قَد جَّعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: ١٠٠] وقول يعقوب: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ اِلْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦] {وَقَالَ اَلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاَدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: ٤٥] وقال يوسف: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا} [يوسف: ٣٧].

فتأويل الكلام الطلبي هو نفس فعل المأمور به [وترك] (١) المنهي عنه،


(١) «ترك» ليس في «ح»، «م». وأثبته من «درء التعارض» (١/ ٢٠٦). وقال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (١٧/ ٣٦٨): «تأويل الأمر والنهي: نفس فعل المأمور، ونفس ترك المحظور».