للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلهية من عُدمت فيه هذه الصِّفات، فالبطش والمشي من أنواع الأفعال، والسمع والبصر من أنواع الصفات. وقد وصف نفسه سبحانه بضد صفة أوثانهم، وبضد ما وصفه به المعطلة والجهمية، فوصف نفسه بالسمع والبصر، والفعل باليدين، والمجيء والإتيان، وذلك ضد صفات الأصنام التي جعل امتناع هذه الصِّفات عليها منافيًا لإلهيتها.

فتأمَّل آيات التوحيد والصفات في القرآن على كثرتها وتفنُّنها واتساعها وتنوعها، كيف تجدها كلها (١) قد أثبتت الكمال للموصوف بها، وأنه المتفرد بذلك الكمال، فليس له فيه شَبَهٌ ولا مثالٌ. وأي دليلٍ في العقل أوضح من إثبات الكمال المطلق لخالق هذا العالم ومدبِّره، ومَلِك السماوات والأرض وقيُّومهما، فإذا لم يكن في العقل إثبات جميع أنواع الكمال له فأي قضيةٍ تصح في العقل بعد هذا؟!

ومن شكَّ في أن صفة السمع والبصر والكلام والحياة والإرادة والقدرة والغضب والرضا والفرح والرحمة والرَّأفة كمالٌ فهو ممن سُلب خاصة الإنسانية، وانسلخ من العقل. بل مَن شكَّ أن إثبات الوجه واليدين وما أثبته لنفسه معهما كمالٌ، فهو مَؤُوفٌ (٢) مصابٌ في عقله.

ومن شكَّ أن كونه يفعل باختياره ما يشاء، ويتكلم إذا شاء، وينزل إلى حيث شاء، ويجيء إلى حيث شاء= كمالٌ، فهو جاهلٌ بالكمال، والجامد عنده أكمل من الحي الذي تقوم به الأفعال الاختيارية. كما أن عند شقيقه


(١) «ح»: «كلما». والمثبت من «م».
(٢) سبق تفسيرها (ص ٤٢٣).