للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه جميع عتاده. فالسماء مرفوعةٌ كالسقف، والأرض ممدودةٌ كالبساط، والنجوم منضودةٌ كالمصابيح، والمنافع مخزونةٌ كالذخائر، كل شيءٍ منها لأمرٍ يصلح له، والإنسان كالمالك المخول فيه، وضروب النبات مهيأة لمآربه، وصنوف الحيوان مصرفة في مصالحه. فمنها ما هو للدر والنسل والغذاء فقط، ومنها ما هو للركوب والحمولة فقط، ومنها ما هو للجمال والزينة، ومنها ما يجمع ذلك كله كالإبل، وجعل أجوافها خزائن لما هو شرابٌ وغذاءٌ، ودواءٌ وشفاءٌ، ففيها عبرةٌ للناظرين، وآيات للمتوسمين. وفي الطير واختلاف أنواعها وأشكالها، وألوانها ومقاديرها، ومنافعها وأصواتها، صافات وقابضات، وغاديات ورائحات، ومقيمات وظاعنات: أعظم عبرة وأبين دلالة على حكمة الخلاق العليم (١).

وكل ما أوجده الناس وأولوه (٢) بالًا بالأفكار الطويلة والتجارب المتعددة من أصناف الآلات والمصانع وغيرها إذا فكَّر فيها المتفكر وجدها مشتقة من الخلقة، مستنبطة من الصنع الإلهي. مثال ذلك أن القَبَّان (٣) مستنبطٌ من خلقة البعير، كأنهم لما رأوه ينهض بحمله وينوء (٤) به يمد عنقه ويوازن حمله برأسه استنبطوا القبان من ذلك. وجعلوا طول حديدته في مقابلة طول العنق، ورمانة القبان في مقابلة رأس البعير، فتم لهم ما استنبطوه.


(١) ينظر «مفتاح دار السعادة» للمصنف (٢/ ٥٨٦ - ٥٨٧).
(٢) «ح»: «وأدلة».
(٣) القبان: الميزان ذو الذراع الطويلة المقسمة أقسامًا ينقل عليها جسم ثقيل يُسمى الرمانة لتعين وزن ما يُوزن. «المعجم الوسيط» (٢/ ٧١٣).
(٤) «ح»: «وبينوا». والمثبت من «م».