للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأمَّل كلام هذا الملحد بل رأس ملاحدة الملة، ودخولَه إلى الإلحاد من باب نفي الصِّفات، وتسلطه في إلحاده على المعطلة النُّفاة بما وافقوه عليه من النفي، وإلزامَه لهم أن يكون الخطاب بالمعاد جمهوريًّا أو مجازًا واستعارة، كما قالوا في نصوص الصِّفات التي اشترك هو وهم في تسميتها تشبيهًا وتجسيمًا (١)، مع أنها أكثر تنوعًا، وأظهر معنًى، وأبين دلالة من نصوص المعاد، فإذا ساغ لكم أن تصرفوها عن ظاهرها بما لا تحتمله اللغة فصرف هذه عن ظواهرها أسهل.

ثم زاد هذا الملحد عليهم باعترافه بأن نصوص الصِّفات لا يمكن حملها كلها على المجاز والاستعارة، وأن يُقال: إن المراد غير ظاهرها، وإن لذلك الاستعمال مواضع تليق به، بحيث تكون دعوى ذلك في غيرها غلطًا محضًا، كما في مثل قوله: {* هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ اُلْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٩] فمع هذا التقسيم والتنويع يمتنع المجاز والاستعارة، فإنما أُريد ما دلَّ اللفظ عليه ظاهرًا، ومع هذا فقد ساعدهم على امتناعه لقيام الدليل العقلي عليه، فهكذا نفعل نحن في نصوص المعاد سواء.

فهذا حاصل كلامه وإلزامه ودخوله إلى الإلحاد (٢) من باب نفي الصِّفات والتجهم، وطريق الردِّ المستقيم بإبطال قوله وقول المعطلة جميعًا.

والمقصود أن هؤلاء الجهمية والمعتزلة لمَّا وافقوا هذا الملحد على نفي الصِّفات، وأن هذا النفي هو التوحيد الحق، احتج عليهم بهذه الموافقة


(١) «ح»: «تجسمًا». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «إلحاد». والمثبت من «م».