للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم هب أن الكتاب العربي جاء على لغة العرب وعبارة لسانهم في الاستعارة والمجاز، فما قولهم في الكتاب العبراني، وكله من أوله إلى آخره تشبيهٌ صرفٌ. وليس لقائلٍ أن يقول: إن ذلك الكتاب محرفٌ كله. وأنى يُحرَّفُ كليةً كتابٌ منتشرٌ (١) في أُمم لا يُطاق تعدادهم (٢)، وبلادهم متباينة وأهواؤهم (٣) متباينة، منهم يهودي ونصراني (٤)، وهم أمتان متعاديتان. فظاهر من هذا كله أن الشرائع واردة بخطاب الجمهور بما يفهمون، مقرِّبًا ما لا يفهمون إلى أفهامهم بالتمثيل والتشبيه، ولو كان غير ذلك لما أغنت الشرائع البتة».

قال: «فكيف يكون ظاهر الشرائع حجة في هذا الباب ـ يعني: أمر المعاد ـ ولو فرضنا الأمور الأخروية روحانيةً غيرَ مجسمةٍ، بعيدةً عن إدراك بدائة الأذهان تحقيقها لم يكن سبيل (٥) للشرائع إلى الدعوة إليها والتحذير عنها إلَّا بالتعبير عنها بوجوهٍ من التمثيلات المقرِّبة إلى الأفهام، فكيف يكون وجود شيءٍ حجة على وجود شيءٍ آخر، لو لم يكن الشيء الآخر على الحالة المفروضة لكان الشيء الأول على حالته. فهذا كله هو الكلام على تعريف من طلب أن يكون خاصًّا من النَّاس لا عامًّا: أن ظاهر الشرائع غير محتجٍّ به في مثل هذه الأبواب».


(١) «ح»: «مبشر». والمثبت من «م» و «الرسالة الأضحوية».
(٢) «ح»: «تعدديهم». وفي «الرسالة الأضحوية»: «تعديدهم». والمثبت من «م».
(٣) «ح»، «م»: «وأوهامهم». والمثبت من «الرسالة الأضحوية».
(٤) في «الرسالة الأضحوية»: «يهود ونصارى».
(٥) «ح»: «سبيلي». والمثبت من «م» و «الرسالة الأضحوية».