للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرسل؛ بخلاف الأدلة العقلية الكلية التي طريقها صناعة المنطق، فإنها إذا صحَّتْ مقدِّماتها وكانت يقينية وكانت منتجة فإنما تنتج مطلوبًا كليًّا لا يحصل به إثبات ربٍّ معينٍ، ولا رسولٍ معينٍ، ولا إثبات شيءٍ من أصول الإيمان التي لا سعادة للعبد بدونها.

فإن غاية ما عند هؤلاء أن الممكن يفتقر إلى واجبٍ، فبعد تقرير إمكان العالم والتخلص من الشُّبه الواردة على الإمكان إنما استفادوا إثبات وجود واجبٍ، ومعلوم أن فرعون وهامان ونمرود بن كنعان والمجوس والصَّابئة لا يشكُّون في إثبات وجود واجبٍ، [ق ٤٠ ب] بل عُبَّاد الأصنام أهدى من هؤلاء، حيث اعترفوا بربٍّ قيومٍ خالقٍ قادرٍ يفعل بمشيئته وقدرته.

وأصحاب هذه الأدلة العقلية التي تفيد اليقين لم يصلوا فيما استفادوه بها إلى هذا ولا قريب منه، بل أثبتوا وجودًا واجبًا، وهل هو هذا الفَلَك أو فلك وراءه، أو (١) وجود مطلق، أو علة أولى، أو الوجود الكلي العام السَّاري في الموجودات، كما قال بكل من ذلك طائفة. وأمَّا كونه الله الذي لا إله إلَّا هو الحي القيوم، القاهر فوق عباده، الذي استوى على عرشه، يعلم ما تُخفِيه الضمائر، ويرى ويسمع ويتكلَّم ويُكلِّم ويرضى ويغضب ويخلق ما يشاء= فهذا لا تدلُّ عليه مقدِّماتهم المنطقية وأدلَّتهم الكلية، فلا تفيد شيئًا من مطالب الإيمان المشتركة بين أهل المِلَل البتَّةَ.

وأمَّا أدلة الربِّ سبحانه بآياته السمعية والخلقية فهي التي دلَّتْ عباده على توحيده، وصفات كماله، ونعوت جلاله، وصِدْق رُسُله، وصحَّة معاد الأبدان، وقيام النَّاس من قبورهم إلى دار شقاوة وسعادة؛ فلولا هذه الآيات


(١) «ح»: «و». ولعل المثبت هو الصواب.