وقد أخبر سبحانه عن هذه الآيات السمعية والخلقية بقوله:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي اِلْأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اُلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت: ٥٢]. فبيَّن سبحانه أنه يُري عباده من الآيات المشهودة العيانية في الآفاق وفي أنفسهم ما يُبيِّن لهم به أن آياته السمعية القرآنية حقٌّ وصِدْقٌ. فآيات الربِّ تعالى العيانية الآفاقية والنفسية مستلزمة لإثبات الأدلة السمعية، ثم دلالة آياته السمعية ـ التي لا تُفيد اليقين عند هؤلاء ـ أكمل دلالة على المطالب الإيمانية من الأدلة الكلية المؤلَّفة من القياسات المنطقية. بل دلالتها على تلك المطالب كدلالة الشمس على النهار، ودلالة ضوء الصُّبح على الصَّباح، ودلالة الدخان على النَّار، والمصنوع على الصَّانع، ودلالة النجوم على الطُّرق، ونحو ذلك.
وهذا يبيِّن أن أضعف أنواع الأدلة هي الأدلة القياسية العقلية، التي هي عند كثيرٍ من الفلاسفة والمتكلمين أكمل الأدلة. ثم الدليل القياسي التمثيلي أقوى وأظهر دلالة من الدليل القياسي الشمولي، خلاف ما يدعيه المنطقيون ومن اتبعهم. فأدلة هؤلاء هي آخر المراتب وأضعفها، وأدلة القرآن في أعلى مراتب الأدلة وأشدها ارتباطًا بمدلولها واستلزامًا له، خلافًا لمن عكس ذلك، كابن سينا وابن الخطيب والآمدي وأشباههم.
فدلالة المقال أكمل من دلالة الحال، ودلالة الحال المعينة أكمل من الدلالة الكلية المنطقية، ودلالة كلام الله أكمل من دلالة كل كلامٍ، وإفادته اليقين فوق إفادة كل دليلٍ اليقين بمدلوله، ودلالة آياته (١) العيانية على