للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعقولٍ (١) تُفرق بين الحق والباطل، وكمَّلها بشرعةٍ تُفصِّل لها (٢) ما هو مستقرٌّ في الفطرة وأدركه العقل مجملًا.

فالفطرة قابلة، والعقل مزكٍّ، والشرع مُبصِّر مُفصِّل لما هو مركوز في الفطرة، مشهود أصله دون تفاصيله (٣) بالعقل. فاتفقت فطرة الله المستقيمة والعقل الصريح والوحي المبصِّر المكمِّل على الإقرار بموجودٍ فَطَر هذا العالم بجميع ما فيه عاليه وسافله وما بينهما، وشهدت الفِطَر والعقول والشرائع المنزلة كلها بأنه ليس من جنس العالم، ولا مماثلًا له، وأنه مباين له، غير ممتزج به، ولا متَّحدٍ به، ولا حالٍّ فيه، وأنه فوق جميع العالم عالٍ عليه، بجميع أنواع العلو ذاتًا وقهرًا وعظمة، وأنه موصوفٌ بجميع الكمال المقدَّس من لوازم ذاته، فتوهم رفعه عنه كتوهم عدم ذاته.

ومن لم يكن هذا الأصل معلومًا عنده علمًا لا يَشك فيه ولا يَرتاب بل هو لقلبه كالمشاهدات لبصره، وإلا (٤) اضطرب عليه باب معرفة الله ووحدانيته وتصديق رسله.

فلا يجوز أن يُقدح في مقدِّمات هذا الأصل التي هي في أعلى مراتب الضروريات بمقدِّمات يدَّعي أربابها أنها نظريات، ومن خالفهم فيها يقول: إنها غير صحيحةٍ بل معلومة الفساد، إمَّا بضرورة العقل، أو بالنظر الصحيح المُفضي إلى الضرورة.


(١) «ح»: «بمعقول».
(٢) «تفصل لها» في «ح»: «يصل لها بها».
(٣) «ح»: «تفاصله».
(٤) تقدم (ص ٧٢٨) التعليق على هذا التركيب.