للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والكمال كله واجبٌ له، وما نفاه عنه فهو نقصٌ، والنقائص كلها ممتنعة عليه.

وقد صرَّح هؤلاء بأن ما يجب لله ويمتنع عليه لا تمكن استفادته من الرسول؛ لأنه إن أخبر بما يخالفه العقل من ذلك لم يجز إثباته، ولم يلتفت إلى خبره فيه. وإن أخبر بما يدل عليه العقل كان الاستدلال بخبره فضلةً غير محتاجٍ إليها، لا سيما وقد صرَّحوا بأنه ليس في حقِّ الربِّ ما يمكن أن يوصف به وما لا يمكن، بل إمَّا واجبٌ وإمَّا محالٌ، والعلم بوجوب الواجبات واستحالة المحالات لا يتوقف على السمع، ولا يحتاج إليه فيه.

وهذا تصريحٌ بأنه لا يُحتج بكلام الله ورسوله على شيءٍ من هذه المسائل، ولا يُصدَّق بشيءٍ من خبر الرسول عن ذلك لكونه أخبر به؛ بل لكون العقل دلَّ عليه، وذلك يستلزم الكفر (١) والإلحاد والزندقة. وهذا لازمٌ لكل من سلك هذه الطريق؛ لأنه إذا جوَّز المجوِّز أن يكون في الأدلة العقلية التي يجب اتباعها ما يناقض ما أخبر الله به ورسوله ـ من ذكر صفاته سبحانه وصفات ملائكته وعرشه والجنة والنار والمعاد والعقوبات التي أخبر بها عن الأمم والمعجزات التي أيَّد بها أنبياءه ورسله ـ لم يمكنه أن يعرف ثبوت شيءٍ كما أخبر به الرسول إذ (٢) لم يعلم انتفاء المعارض. ولا طريق له إلى ذلك إلَّا أن يحيط علمًا بكل ما يخطر ببال بني آدم في كل وقتٍ ممَّا يُظن أنه دليلٌ عقليٌّ، وهذا أمر لا ينضبط وليس له حدٌّ، فلا تزال الشُّبه العقلية تتولد في نفوسهم تولد الوساوس والخطرات [ق ٨٨ ب] وحديث النفس. وقد اعترف هؤلاء بأنه لا سبيل إلى العلم بانتفاء المعارض على التفصيل، وحينئذٍ


(١) «ح»: «للكفر».
(٢) «ح»: «أو». ولعل المثبت هو الصواب.