للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرُّسل، قال الله (١) تعالى: {وَعْدَ اَللَّهِ لَا يُخْلِفُ اُللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ اَلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ اَلْحَيَاةِ اِلدُّنْيا وَهُمْ عَنِ اِلْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: ٥ - ٦]. قال بعض السلف: «يبلغ مِن علم أحدهم بالدنيا أنه ينقر الدرهم بظُفُره فيعلم وزنَه، ولا علم له بشيءٍ من دينه» (٢). وقال تعالى في علوم هؤلاء واغترارهم (٣) بها: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسْلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ اَلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [غافر: ٨٢].

وقد فاوَتَ الله سبحانه بين عباده فيما تناله عقولهم وأذهانهم أعظمَ تفاوُت، والعقل يُعطي صاحبه فائدته في النوع الذي يلزمه به ويشغله به ويَقصُره عليه ما لا يعطيه في غيره، وإن كان غيره أسهلَ منه بكثيرٍ، كما يعطيه هِمَّته وقريحته في الصناعة التي هو معنيٌّ بها ومقصور العناية عليها ما لا يعطيه في صناعةٍ غيرها. وكثيرًا ما تجد الرجل قد برَّز في اللطيف من أبواب العلم والنظر، وتخلَّف في (٤) الجليل منهما، وأصاب الأغمض الأدق منها، وأخطأ الأجل الأوضح. هذا أمرٌ واقع تحت العيان، فكيف [ق ٢٥ أ] وعلوم الأنبياء ومعارفهم من وراء طَوْر العقل. والعقلُ وإن لم يستقلَّ بإدراكها فإنه لا يحيلها، بل إذا وردت عليه أقرَّ (٥) بصحتها، وبادَرَ إلى قبولها، وأذعنَ


(١) لفظ الجلالة ليس في «ب».
(٢) أخرجه المحاسبي في «ماهية العقل» (ص ٢١٤) وأبو حاتم في «الزهد» (٦٦) عن الحسن البصري - رحمه الله - بمعناه، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٨٤) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٣) «ح»: «واعتراهم».
(٤) «ح»: «عن».
(٥) «أقر» ليس في «ح».