للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: قياس الخالق على المخلوق في ذلك، وأن ما حسُن وقبُح منهم حسُن وقبُح منه، [ولذلك] (١) كانوا مشبهة الأفعال معطلة الصفات.

الموضع الثاني: نفيهم لوازم ذلك من الفرح والرضا والمحبة، وتسميتهم ذلك لذةً وألمًا وكيفيات نفسانية.

وأمَّا النفاة (٢) فأصابوا في الفرق بين الله وبين الخلق، وألَّا يُقاس بخلقه، ولا يلزم أن ما حسُن وقبُح منهم يقبُح ويحسُن منه، وأصابت أيضًا في ردِّ ذلك إلى الملاءمة والمنافرة، وأخطأت في موضعين:

أحدهما: سلب الأفعال صفاتها التي باعتبارها كانت حسنةً وقبيحةً، وجعلهم ذلك مجرد نسبٍ وإضافاتٍ عدميةٍ.

والموضع الثاني: نفيهم لوازم ذلك عن الربِّ تعالى من محبته ورضاه وفرحه وغضبه وسخطه وكراهته ومقته؛ بتسميتهم ذلك لذةً وألمًا.

والفريقان جميعًا لم يهتدوا في تحقيق المسألة إلى أن كل حُسنٍ وقُبحٍ ثبت بشرعٍ أو عقلٍ أو عرفٍ أو فطرةٍ فإنما يعود إلى الملاءمة والمنافرة، ولم يهتدوا أيضًا إلى ثبوت الحُسن في أفعال الله بمعنى محبته ورضاه وفرحه، وأنه لا يفعل إلَّا ما يُمدح على فعله ويُحمد عليه، وحمده ومدحه خبر بما يرضى به ويفرح به ويحبه، وأنه منزَّهٌ عن أن يفعل ما يُذمُّ عليه، والذمُّ هو الخبر المتضمن لما يؤذي المذموم ويؤلمه، وإن كان أعداؤه من المشركين يؤذونه ويشتمونه كما في الحديث الصحيح: «لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى مِنَ اللهِ،


(١) «ح»: «وكذلك».
(٢) يعني النفاة للحُسن والقُبح العقليين.