للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمعتزلة أكثر اختلافًا من متكلِّمة أهل الإثبات، وبين البصريين والبغداديين منهم من النِّزاع ما يطول ذكره، والبصريون أقرب إلى الإثبات والسُّنَّة من البغداديين، فالبصريون يُثبتون [ق ٤٨ أ] كونه سبحانه سميعًا بصيرًا حيًّا عالمًا قديرًا، ويُثبتون له الإرادة، ولا يوجبون عليه الأصلح في الدنيا، ويثبتون خبر الواحد والقياس، ولا يُؤثِّمون المجتهدين. ثم بين المشايخية (١) والحسينية (٢) من النِّزاع ما هو معروف.

وأمَّا الشيعة فأعظم تفرُّقًا واختلافًا من المعتزلة، حتى قيل: إنهم يبلغون ثنتين وسبعين فرقة؛ وذلك لأنهم أبعد طوائف الملة عن السُّنَّة.

وأمَّا الفلاسفة فلا يَجمَعهم جامعٌ، فتلاعب بالنبوات، ولا تقف مع حدودها، وقُلْ بعقلك ما شئت، وقد صرت فيلسوفًا حكيمًا! وهم أعظم اختلافًا من جميع طوائف المسلمين واليهود والنصارى، والفلسفة التي ذهب إليها الفارابي وابن سينا هي فلسفة المشَّائين أتباع أرسطو صاحب المنطق، وبينه وبين سلفه من النِّزاع ما يطول ذكره، ثم بين أتباعه من الخلاف ما يطول وصفه. وأما سائر طوائف الفلاسفة فلو حُكي لك اختلافهم في علم الهيئة وحدَه لرأيت العجب العُجاب. هذا والهيئة علم رياضي حسابي، هو من أصحِّ علومهم، فكيف باختلافهم في الطبيعيات، فكيف بالإلهيات؟!

واعتبر هذا بما ذكره أرباب المقالات عنهم في العلوم الرياضية


(١) المشايخية: أتباع أبي علي وأبي هاشم الجبائيين. كما ذكر المصنِّف في «شفاء العليل» (ص ١٤٥).
(٢) «ح»: «الحسنية». والمثبت من «درء التعارض» (١/ ١٥٧) وعرَّفهم ابن تيمية بقوله: «أتباع أبي الحسين البصري». وقد مر ذكر أبي الحسين البصري (ص ٤٦٥).