للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسلبوا صفاته على التفصيل، وأثبتوا له ما يتضمن نفي ذاته وصفاته.

وأمَّا الأصل الثاني: فإن الرُّسل أمرت الأمم بإدامة ذكره وشكره وحُسن عبادته، فصدَّت النُّفاةُ القلوبَ والألسنةَ عن ذكره بإنكار صفاته، وهم في الحقيقة لا يشكرونه؛ لأن الشكر إنما يكون على الأفعال، وعندهم لا يقوم به فعلٌ؛ لأنه يستلزم حلول الحوادث به، فلا يُشكر على فعلٍ يقوم به. وإن شكروه فإنما يشكرونه على مفعولاته، وهي منفصلة عنه، فلم يُشكر على أمرٍ يقوم به عندهم.

وأيضًا فإن رأس الشكر الثناء والحمد، وقد اعترفوا بأنه لا حقيقة له إلَّا ما يقتضي فرح المحمود المثنى عليه، وذلك في حقِّه محالٌ عندهم، كما تقدم حكاية لفظهم (١).

وكذلك هم منكرون لحقيقة عبادته، وإن قاموا بصورها وظواهرها، فإن حقيقة العبودية كمال محبته وكمال الذل له، وهم قد أقرُّوا بأنه لا يحبه أحدٌ، ولا يمكن أن يُحِبَّ، واحتجوا على ذلك بأن المحبة تستلزم المناسبة بين (٢) المحبِّ والمحبوب، ولا مناسبة بين الخالق والمخلوق. وهذا إنكار لحقيقة لا إله إلَّا الله، فإن الإله هو المألوه المستحق لغاية الحبِّ بغاية التعظيم، فنفوا (٣) هذا المعنى بتسميته «مناسبةً»، كما نفوا محبته ورضاه وفرحه وغضبه وسخطه وكرامته ورأفته ورحمته وضحكه وتعجُّبه بتسميتها «كيفيات محسوسة»، ونفوا حياته وسمعه وبصره وقدرته وكلامه وعلمه بتسميتها


(١) تقدم (ص ١٠٢٣ - ١٠٢٤، ١٠٤٥ - ١٠٤٦).
(٢) «ح»: «من».
(٣) «ح»: «فنقول». ولعل المثبت هو الصواب.