للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأُمَّة، وأقدرهم على البيان وكشف المعاني؛ فإنه عربيٌّ والعربُ أفصح الأُمم، وقرشيٌّ وقريشٌ أفصح العرب، وهو في نفسه كان أفصحَ قريش على الإطلاق، وقد أَقَرَّ له أعداؤه بذلك، ولهذا قال: «أَنَا أَفْصَحُ العَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ» (١).

وقد تكلَّم النَّاس في فصاحة الحاضرة والبادية، وفي شعر الحاضرة والبادية، ورُجِّحَ هؤلاء من وجهٍ، وهؤلاء من وجهٍ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع الله له كمال فصاحة البادية والحاضرة، ومَن تدبَّر كلامه الذي تكلَّم به، والقرآن الذي بلَّغه عن الله وأخبر أن الله تكلَّم به؛ وَجَدَ التفاضُل بين كلامه هو عليه السلام وكلام غيره من البشر؛ ثُمَّ من المعلوم بالاضطرار مِن حاله أنه كان أحرص النَّاس على هُدى أُمته وتعليمهم والبيان لهم، فاجتمع في حقِّه كمالُ القدرة، وكمال الدَّاعي، وكمال العلم. فهو أعلم النَّاس بما يدعو إليه، وأقدرهم على أسباب الدعوة، وأعظمهم رغبةً، وأتمُّهم نصيحةً. فإذا كان مَن هو دونه بمراتب لا تُحصى في كل صفةٍ من هذه الصِّفات قد بيَّن مراده بلفظه؛ كان هو ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أحقَّ وأولى من كل وجهٍ أن يكون قد استولى على الأمد الأقصى من البيان.

فمَن قال: إن اليقين لا يحصل بألفاظه ولا يُستفاد العلم من كلماته؛ كان


(١) أورده القاضي عياض في «الشفا»، وقال السيوطي في «مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا» (ص ٥٢): «أورده أصحاب الغريب، ولا يُعرف له إسناد». وأقرب لفظ وجدناه له ما أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٦/ ٣٥) وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٣١٨٠) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعًا: «أنا أعرب العرب، ولدتني قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر، فأنَّى يأتيني اللحن». وفي إسناده مبشر بن عبيد، وهو متروك، كما قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٨/ ٢١٨) وابن حجر في «التلخيص الحبير» (٥/ ٢٥٧٠).