للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآلة لها فمن لا يُدرك الشيء مع وجودها واستجماعها ووفورها فلأن (١) يتعذر عليه إدراكه مع عدمها (٢) وبطلان أفعالها أولى وأحرى. وهذا قياس أنت تجده أقوى من الأقيسة التي يُعارض بها خبر الأنبياء، والحس والعيان يدفعه.

ومن له خبرة بمواد الأدلة وترتيب مقدماتها وله أدنى بيانٍ يُمْكِنه أن ينظم أدلة عقلية على استحالة كثيرٍ من الأمور المشاهدة المحسوسة، وتكون مقدمات تلك الأدلة من جنس مقدمات الأدلة التي تُعارض بها النصوص أو أصح منها.

وانسب إلى العقل وجود ما أخبرت به الرُّسل عن الله وصفاته وأفعاله وملائكته وعن اليوم الآخر، وثبوت هذه الأمور التي ذكرنا اليسير منها، وما لم نذكره ولم يخطر لنا ببالٍ أعجب من ذلك بكثيرٍ، تَجِدْ تصديقَ العقل بما أخبرت به الرسل أقرب إليه من تصديقه بهذه الأمور، ولولا المشاهدة لكذب بها. فيا لِلَّه العَجَبُ كيف يستجيز العقل إنكار ما أخبرت به الرُّسل بعد أن رأى وعاين وسمع ما لولا الحسُّ لأنكره غاية الإنكار! ومن هاهنا قال من صحَّ عقله وإيمانه: إن نسبة العقل إلى الوحي أدق وأقل بكثيرٍ من نسبة مبادئ سنِّ (٣) التمييز إلى العقل.


(١) «ح»: «فأن». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «وجودها». والمثبت من «م».
(٣) «ح»: «منادى شز». وفي «م»: «مبادئ». ولعل المثبت هو الصواب.