للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من فوقهم لا من تحتهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَا (١) أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي نَعِيمِهِمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ، فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ: {سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: ٥٧] ثُمَّ يَتَوَارَى عَنْهُمْ، وَتَبْقَى رَحْمَتُهُ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمْ» (٢).

فلا يجتمع الإقرار بالرؤية وإنكار الفوقية والمباينة لهذا. ولهذا الجهمية المُغْل (٣) تُنكر علوَّه على خلقه، ورُؤية المؤمنين له في الآخرة، ومخانيثُهم [ق ١٠٧ أ] يُقرُّون بالرُّؤية وينكرون العلوَّ.

وقد ضحك جمهور العقلاء من القائلين بأن الرُّؤية تحصل من غير مواجهةٍ للمرئي ومباينةٍ له، وقالوا: هذا ردٌّ لما هو مركوز في أوائل العقول.

قال المنكرون: الإنسان يرى صورته في المرآة، وليس صورته في جهة منه.


(١) «ح»: «بينات». والمثبت من «م».
(٢) أخرجه ابن ماجه (١٨٤) وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» (٩٤) والآجري في «الشريعة» (٦١٥) والدارقطني في «الرؤية» (٥١) من طرق عن أبي عاصم العباداني عن الفضل الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر - رضي الله عنه - به، وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (٦٧): «هذا إسناد ضعيف لضعف الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي». وينظر «الضعفاء الكبير» للعقيلي (٢/ ٣٦٧) و «الكامل» لابن عدي (٧/ ١١٩ - ١٢٠) و «الموضوعات» لابن الجوزي (٣/ ٢٦٠ - ٢٦٢).
(٣) استخدم المصنِّف -رحمه الله تعالى- هذا المصطلح «الجهمية المغل» هنا وفيما سيأتي (ص ٩٧٠) في مقابلة «مخانيثهم» أو «الجهمية المخانيث». فهو يقصد بهم المغالين، أي: الجهمية المحضة، وقد ذهب محققو «النونية» (٢/ ٢٥٠) إلى أن المغل هم المغول أي التتار. وهو غير بيِّنٍ في المعنى، والله أعلم.