للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البرهان الذي زاد على برهان الشمس ضياءً ونورًا، فلو {اِجْتَمَعَتِ اِلْإِنسُ وَاَلْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا اَلْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨].

فيه نبأ ما كان قبلنا، وخبر ما يكون بعدنا، وحكم ما بيننا. وهو الجدُّ ليس باللعب، والفصل ليس بالهزل. وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذِّكر الحكيم، والصِّراط المستقيم، والنبأ العظيم. وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يعوجُّ فيُقوَّم، ولا يزيغ فيتشعَّب. ولا تَخلَق بهجته على كثرة التَّرداد، بل لا يزداد على تتابع التلاوة إلَّا بهجة وطلاوة وحلاوة. من تركه من جبارٍ قصمه الله، ومن ابتغى الهُدى في غيره أضله الله. ومن أعرض عنه أو عارضه بعقله أو رأيه أو سياسته أو خياله فالضلال منتهاه، والنار منقلبه ومثواه، والخذلان قرينه، والشقاء صاحبه وخدينه. مَن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن حاكم إليه فلج، ومن خاصم به استظهر بأقوى الحُجَج، ومن استنصر به فهو مؤيَّد ومنصور، ومن عدل عنه فهو مخذول ومثبور.

فبغاه هؤلاء النُّفاة المعطلة عِوَجًا، وجعلوا دون الاهتداء به

بابًا مُرْتَجًا (١)، وعزلوه عن إفادة (٢) العلم واليقين، وقالوا: قد عارض

ما أثبته العقول والبراهين. وقالوا: لم يدلَّ على الحقِّ في الأمور الإلهية، ولا أفاد علمًا ولا يقينًا في هذه المطالب العلية. بل دلالته ظاهرة في نقيض الصواب، مُفهِمة لنقيض ما يقوله أولو العقول والألباب. فالواجب أن


(١) أَرتَجْتُ الباب: أغلقته إغلاقًا وثيقًا. «العين» (٦/ ٩١).
(٢) «ح»: «الإفادة».