للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنسيانه = فهذا يُعذَر فيه المخالف إذا كان قصدُه اتباعَ الحق، ويثيبه اللهُ على قصده. وأمَّا من بلغه النَّصُّ وذكره، ولم يقم عنده ما يعارضه، فإنه لا يسعه مخالفتُه، ولا يُعذَر عند الله بتركه لقول أحدٍ كائنًا من كان.

وقد تكون دلالة اللفظ غير جليةٍ، فيشتبه المرادُ به بغيره، فهنا مُعترَك النزاع بين أهل الاجتهاد في تأويله، ولأجل التشابه وقع النزاع، فيَفهم منها هذا (١) معنًى فيؤولها به، ويَفهم منها غيره معنًى آخر فيؤولها به. وقد يكون كلا الفهمين صحيحًا، والآية دلت على هذا وهذا، ويكون الراسخ في العلم هو الذي أوَّلَها بهذا وهذا، ومَن أثبت أحد المعنيين ونفى الآخر أقلُّ رسوخًا. وقد يكون أحدُ المعنيين هو المراد لا سيما إذا كانا متضادين، والراسخ في العلم هو الذي أصابه. فالتأويل في هذا القسم مأمورٌ به، مأجورٌ عليه صاحبُه، إمَّا أجرًا واحدًا وإمَّا أجرينِ (٢).

وقد تنازع الصحابة في تأويل قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَا اَلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ اُلنِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٥] هل هو الأب أو الزوج (٣).

وتنازعوا في تأويل قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ اُلنِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] هل هو الجماع، أو اللمس باليد والقُبلة ونحوها (٤).

وتنازعوا في تأويل قوله: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] هل


(١) «ب»: «هذا منها».
(٢) «ب»: «أجران».
(٣) يُنظر: «تفسير الطبري» (٤/ ٣١٧ - ٣٣٢) و «الدر المنثور» للسيوطي (٣/ ٣٠ - ٣١).
(٤) يُنظر: «تفسير الطبري» (٧/ ٦٢ - ٧٥) و «الدر المنثور» (٤/ ٤٥٧ - ٤٦٠).