للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لفظُه لم يدلَّ عليه، وإمَّا إنشاءٌ لاستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى، وهذا إنما يكون في كلام تُنشِئه أنت، لا في كلام الغير.

وحقيقة الأمر أن قول القائل: نحمله على كذا، أو نتأولُه بكذا. إنما هو من باب دفْعِ دلالة اللفظ على ما وُضِعَ له، فإن منازعَه لما احتجَّ عليه به، ولم يمكنه دفعُ ورودِه، دفَعَ معناه، وقال: أحملُه على خلاف ظاهره.

فإن قيل: بل للحمل معنًى آخر لم تذكروه، وهو أن اللفظ لمَّا استحال أن يراد به حقيقتُه وظاهرُه ولا يمكن تعطيله، استدللنا بوروده وعدم إرادة ظاهره على أن مجازه هو المراد، فحملناه عليه دلالةً، لا ابتداءً وإنشاءً.

قيل: فهذا المعنى هو الإخبار عن المتكلم أنه أراده، وهو إمَّا صدقٌ أو كذبٌ ـ كما تقدم ـ ومن الممتنع أن يريد خلاف حقيقته وظاهره، ولا يُبَيِّن للسامع المعنى الذي أراده، بل يقترن (١) بكلامه ما يُؤكد إرادة الحقيقة، ونحن لا نمنع أن المتكلم قد يريد بكلامه خلاف ظاهره إذا قصد التعميةَ على السامع حيث يسوغ ذلك، كما في المعاريض التي يجب أو يسوغ تعاطيها، ولكن المنكر غاية الإنكار أن يريد بكلامه خلافَ ظاهره وحقيقته إذا قصد البيانَ والإيضاح وإفهام مراده. فالخطاب نوعان: نوعٌ يُقصَد به التعميةُ على السامع، ونوعٌ يُقصَد به البيانُ والهداية والإرشاد. فإطلاقُ اللفظ وإرادةُ خلاف حقيقته وظاهره من غير قرائنَ تحتفُّ به تُبيِّنُ المعنى (٢) المراد، محلُّه النوع الأول لا الثاني، والله أعلم.


(١) «ب»: «يعرب».ولعله تحريف «يقرن».
(٢) «المعنى» ليس في «ب».