للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظهر، ثم خطبهم حتى حضرت العصرُ، فصلى العصر، ثم خطب بهم حتى غربت الشمس، فلم يَدَع شيئًا كان ولا يكون مِن خَلْقِ آدم إلى قيام الساعة حتى أخبرهم به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه» (١).

فكيف يتوهَّم مَن لله ولرسوله ودِينه في قلبه وقارٌ أن يكون رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمسك عن بيان هذا الأمرِ العظيم، ولم يتكلم فيه بالصواب، بل تكلَّم بما ظاهره خلافُ الصواب؟! بل لا يتم الإيمان إلَّا باعتقاد أن بيان ذلك قد وقَعَ من الرسول على أتمِّ الوجوه وأوضحه غاية الإيضاح، ولم يدَعْ بعده لقائلٍ مقالًا ولا لمتأولٍ تأويلًا.

ثم من المحال أن يكون خيرُ الأُمة وأفضلُها وأعلمها وأسبقها إلى كل فضلٍ وهُدًى ومعرفةٍ قصَّروا في هذا الباب فجفَوْا عنه، أو تجاوزوا فغَلَوْا فيه، وإنما ابْتُلِيَ مَن خرج عن منهاجهم بهذين الداءين، وهُدوا لأحد الانحرافين.

ويَزَك الإسلام (٢) وعصابة الإيمان وحُماة الدِّين هم الذين كانوا في هذا الباب قائلين بالحقِّ معتقدين له داعين إليه.

فإن قيل: القوم كانوا عن هذا الباب مُعرِضِين، وبالزهد والعبادة والجهاد مشتغلين، لم يكن هذا الباب من هِمَّتهم ولا عنايتهم به.

قيل: هذا من أَبْيَنِ المحال وأبطلِ الباطل، بل كانت عنايتهم بهذا الباب فوق كل عنايةٍ، واهتمامهم به فوق كل اهتمامٍ؛ وذلك بحسب حياة قلوبهم ومحبتهم لمعبودهم ومنافستهم في القرب منه، فمَن في قلبه أدنى حياةٍ أو


(١) أخرجه مسلم (٢٨٩٢) عن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري - رضي الله عنه - بنحوه.
(٢) أي: حرسه، كما تقدم (ص ٨).