للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تأمَّلْ كيف أفسد عقول مَن أعرض عن رسله وعارض ما أُرسلوا به، فآل بهم فساد تلك العقول إلى ما قصَّه الله عنهم في كتابه. ومن فساد تلك العقول أنهم لم يرضوا بنبيٍّ من النبيين، ورضوا بإلهٍ من الحجر. ومن فساد تلك العقول أنهم استحبوا العمى على الهدى، وآثروا عقوبة الدنيا والآخرة على سعادتهما، وبدَّلوا نعمة الله كفرًا، وأحلُّوا قومهم دار البوار. وأفسد عقول أهل الكتابين بكفرهم بالرَّسول حتى آل أمرهم إلى ما آل.

[وأفسد عقول] (١) الفلاسفة التي قدَّموها على ما جاءت به الرُّسل حتى قالوا ما أضحكوا به كافة العقلاء، وإن كانوا أصحاب صنائع وأفكارٍ استنبطوها (٢) بعقولهم لِعَجْز غيرهم عنها، لكن أفسد عليهم العقلَ الذي يُنال به سعادة الأبد، حتى قالوا في فرية سلسلة الموجودات عن واجب الوجود ما هو بسلسلة المجانين أشبه منه بكلام عقلاء الآدميين.

وجعلوا العالم الذي شهدت عليه شواهد الصنعة والاحتياج والافتقار من كون غالبه مُسخرًا مُدبرًا مقهورًا على حركة لا يمكنه الخروج منها، وعلى مكانٍ لا يمكنه مفارقته، وعلى وضع لا يمكنه أن يزول عنه، وعلى ترتيب شهد العقل والفطرة أن غيره رتَّبه هذا الترتيب ووضعه في هذا الموضع وقهره على هذه (٣) الحركة= وكون سافله منفعلًا غير فاعلٍ، متأثرًا غير مؤثرٍ كل وقتٍ في مبدأ ومعاد، وشواهدُ الفقر والحاجة والحدوث ظاهرةٌ


(١) زدته ليستقيم السياق.
(٢) «ح»: «واستنبطوها». والواو زائدة.
(٣) «ح»: «هذا».