للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولًا صادقًا مَن يُخبر بما يخالف صريح العقل؟! وأنتم قد سلَّمتم لنا ذلك، وساعدتمونا على أن صانع (١) العالم لا يختص بمكانٍ، ولا يتكلم، ولا يُرى، ولا يُشار إليه، ولا ينتقل من مكانٍ إلى مكانٍ، ولا تحله الحوادث، ولا له وجهٌ ولا يدٌ ولا إصبعٌ ولا سمعٌ ولا بصرٌ ولا علمٌ ولا حياةٌ ولا قدرة زائدٌ على مجرد ذاته.

ومن أصولنا وأصولكم أنه لم يَقُمْ بذاته فعلٌ ولا وصفٌ ولا حركةٌ ولا استواءٌ ولا نزولٌ ولا غضبٌ في الحقيقة ولا رضًا فضلًا عن الفرح والضحك. ونحن وأنتم مُتَّفقون في نفس الأمر على أنه لم يتكلم بهذا القرآن ولا بالتوراة ولا بالإنجيل، وإنما ذلك كلام شيءٍ عنه بإذنه عندكم، وبواسطة العقل الفعَّال عندنا. ونحن وأنتم متفقون على أنه لم يتكلم به، ولم يُسمع منه.

ونحن وأنتم متفقون على أنه لم يره أحدٌ (٢) ولا يراه، ولم يسمع كلامه ولا يسمعه أحدٌ، وأن هذا محالٌ، فهو عندنا وعندكم بمنزلة [ق ٥٠ أ] كونه يأكل ويشرب وينام.

فعند التحقيق نحن وأنتم متفقون على الأصول والقواعد التي نفت هذه الأمور، وهي بعينها تنفي صحة نبوة من أخبر بها؛ فكيف يُمكن أن يُصدَّق مَن جاء بها، وقد اعترفتم معنا بأن العقل يدفع خبره ويرده؟ فما للحرب بيننا وبينكم وجهٌ، وكما تساعدنا نحن وأنتم على إبطال هذه الأخبار التي عارضت صريح العقل، فساعدونا على إبطال الأصل بنفس ما اتفقنا عليه جميعًا على إبطال الأدلة النقلية.


(١) «صانع» سقط من «ح». وأثبته من «م».
(٢) «أحد» سقط من «ح». وأثبته من «م».