للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعرضوهم للجهل المركب، ولو تركوهم في جهلهم البسيط لكان خيرًا لهم، بل تركوهم في حيرة مذبذبين، لا يعرفون الحق من الباطل، ولا الهُدى من الضلال.

فعند هؤلاء الضالين كلام الأنبياء لا يشفي عليلًا، ولا يروي غليلًا، ولا يبيِّن الحق من الباطل ولا الهدى من الضلال، بل يكون كلام مَن تَسَفْسَطَ في العقليات وتَقَرْمَطَ في السمعيات (١) ـ وهو كخيط السحار والمشعوذ، يخرجه تارة أحمرَ، وتارة أبيض، وتارة أسود ـ أهدى سبيلًا من نصوص الوحي، فإن نصوص الوحي عند هؤلاء أضلت الخلق وأفسدت عقولهم وعرَّضتهم لاعتقاد الباطل.

ومن راعى حرمة النصوص منهم قال: فائدة إنزالها اجتهاد أهل العلم في صرفها عن مقتضاها وحقائقها بالأدلة المعارضة لها، حتى تنال النفوس كد (٢) الاجتهاد، وتنهض إلى التفكر [ق ٨٤ أ] والاستدلال بالأدلة العقلية المعارضة لها الموصلة إلى الحق.

فحقيقة الأمر عند المعطلة أن الرُّسل خاطبوا الخلق (٣) بما لا يُبيِّن الحقَّ، ولا يُنال منه الهدى، بل ظاهره يدل على الباطل، ويُفهم منه الضلال، ليكون انتفاع الخلق بخطاب الرسول اجتهادهم في ردِّ ما أظهرته الرُّسل وأفهمته الخلق، ليصلوا بِرَدِّه إلى معرفة الحق الذي استنبطوه بعقولهم، ولم


(١) يعني: سلك مذهب السوفسطائين في العقليات ومذهب القرامطة في السمعيات.
(٢) «ح»: «كل». والمثبت من «درء التعارض» (٥/ ٣٦٥). والكدُّ: الشدة في العمل وطلب الكسب. «الصحاح» (٢/ ٥٣٠).
(٣) «ح»: «الحق». والمثبت من «درء التعارض» (٥/ ٣٦٥).