للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعظمُ من استفادتهم اليقين من كلام كل متكلِّمٍ، وليس لك أن تحكم عليهم بأنهم لم يستفيدوا منه اليقين، فإن غاية ما عندك أنك أنت فاقد اليقين، لم تظفر ببرده، ولم تَفُز به، فكيف ساغ لك أن تحكم على غيرك بهذا؟!

فإن أردت بذلك أنِّي أنا لا أستفيد اليقين من هذه الأدلة إلَّا بعد هذه الأمور العشرة فعَلِمت أن غيري كذلك؛ قيل له: هذا من أبطل الباطل عند كل عاقلٍ؛ [ب ٨٣ ب] فإنه من المعلوم بالضَّرورة أن الشَّيء الواحد يكون مجهولًا عند رجلٍ أو طائفةٍ، ومعلومًا عند آخر، وضروريًّا عند شخصٍ ونظريًّا عند آخر، فالاشتراك في المعلومات والضَّروريات غير واجبٍ ولا واقعٍ، والواقع خلافه، فالصَّحابة كانوا يعلمون من أحوال النَّبي - صلى الله عليه وسلم - بالاضطرار ما لم يعلمه غيرهم، وكان أبو بكر يعلم من حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلامه يقينًا ما لا يعلمه غيره، ولا يفهمه، كما قال أبو سعيدٍ الخدريُّ: «وكان أبو بكر أَعلَمَنا به» (١).

وكان التَّابعون يعلمون من أحوال الصَّحابة بالاضطرار ما لا يعلمه غيرهم.

والفقهاء وأهل الحديث يعلمون بالاضطرار أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - سجد سجدتي السَّهو في الصَّلاة، وقضى بالشُّفعة، وجعل الدِّية على العاقلة، وأخبر أن الله يَنزل إلى سماء الدنيا كلَّ ليلةٍ، وأنه يُرى بالأبصار جَهْرةً يوم القيامة، وأنه يُدخِل النَّار قومًا من أهل التَّوحيد، ثم يُخرِجهم بالشَّفاعة، وأنه أخبر بخروج الدَّجَّال، ونزول المسيح من السَّماء، وطلوع الشَّمس من مغربها، وغير ذلك ممَّا يَجهله كثيرٌ من النَّاس، ومَن أقرَّ به فهو عنده ظنِّيٌّ، وأهل الحديث جازمون به، متيقِّنون


(١) أخرجه البخاري (٣٩٠٤) ومسلم (٢٣٨٢).