للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكلاهما بالنسبة إليه سواء عندهم، وإنما يُعلم ضدُّ ذلك بخبر صادق. والأدلة اللفظية عندهم لا تفيد اليقين، وكثيرٌ منهم يشك في العموم أو ينكره، والقدرة صالحة، ولا حُسن ولا قُبح هناك البتةَ.

وأمَّا طريق العلم بإثباته فإنهم إنما أثبتوه بطريق الجواهر والأعراض والحركة والسكون، وأن ما قامت به الأعراضُ والحوادث يجب أن يكون حادثًا. فلزمهم نفيُ جميع صفاته وأفعاله، إذ لو أثبتوها بزعمهم لَأفسدَ عليهم طريق إثباته والعلم به، ولزمهم إنكارُ علوه على خلقه، واستوائه على عرشه، وتكلُّمِه، وأن يكون له كلام يُسمَع منه، فضلًا أن ينزل إلى الأرض. ومَن استجاز (١) منهم هذا ارتكب التناقض، وأثبت بعضها ونفى بعضًا، ولم يُوفِ ما أثبته حقَّه، بل نفى حقيقته وأثبت لفظه، أو أثبته من وجهٍ ونفاه من غيره، أو أثبت منه ما لا يُعقل. فهم سلكوا في طريق إثبات وجوده أعظم الطُّرق المنافية لوجوده، فضلًا عن ثبوت صفات كماله وأفعاله.

وأمَّا طريق العلم بالنبوة فإنهم أصَّلوا أنه سبحانه يجوز عليه كل ممكنٍ، وأنه يجوز عليه تأييد الكذابين بأنواع المعجزات، وأنه لا فرق بالنسبة إليه سبحانه بين ذلك وبين تأييد الصادقين بها، فإن العقل لا [يُقبِّح] (٢) ذلك ولا يُحسِّن هذا، وليس إلَّا مجرد القدرة والمشيئة.

فلمَّا أورد عليهم العقلاء أن هذا يَسُدُّ طريق العلم بالنبوة عدلوا إلى نوع من المعارضة لخصومهم من المعتزلة، وقالوا: هذا يلزمنا ويلزمكم، فإن وجوب النظر في المعجزة عندكم وإن وجب بالعقل لكن وجوبه نظريٌّ،


(١) «ح»: «استجهز». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «يقبل». والمثبت هو الصواب.