للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين النَّاس هو الله عز وجل وحدَه بما أنزله من الكتاب المفصَّل، كما قال في الآية الأخرى: {وَمَا اَخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اَللَّهِ} [الشورى: ٨] وقال تعالى: {* كَانَ اَلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اَللَّهُ اُلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ اُلْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ اَلنَّاسِ فِيمَا اَخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة: ٢١١] وقال تعالى: {* إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ اَلْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ اَلنَّاسِ بِمَا أَراكَ اَللَّهُ} [النساء: ١٠٤] وقال: {* فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٤].

فقوله: {أَفَغَيْرَ اَللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} [الأنعام: ١١٥] استفهام إنكارٍ. يقول: كيف أطلب حَكَمًا غير الله وقد أنزل كتابًا مفصَّلًا؛ فإن قوله: {وَهْوَ اَلَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ اُلْكِتَابَ مُفَصَّلًا} جملةٌ في موضع الحال. وقوله: {مُفَصَّلًا} يُبيِّن أن الكتاب الحاكم مفصَّلٌ بيِّنٌ، ضد ما يصفه به من يزعم أن عقول الرجال وآراءهم تُعارِض بعض نصوصه، وأن نصوصه خيَّلتْ وأفهمتْ خلاف الحقِّ لمصلحة المخاطب، أو أن لها معانيَ لا تُفهم ولا يُعلم المراد منها، أو أن لها تأويلاتٍ باطلةً خلاف ما دلَّت عليه ظواهرها. فهؤلاء كلهم ليس الكتاب عندهم مفصَّلًا، بل مجملٌ مؤوَّلٌ (١)، أو لا يُعلم المراد منه، أو المراد منه (٢) خلاف ظاهره، أو إفهام خلاف الحقِّ.

ثم قال: {وَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ اُلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزَلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ اَلْمُمْتَرِينَ} [الأنعام: ١١٥] وذلك أن الكتاب الأول مصدقٌ للقرآن، فمن نظر فيه علم علمًا يقينيًّا أن هذا وهذا من مشكاةٍ واحدةٍ،


(١) «ح»: «ما دل». وهو تحريف، والمثبت من «م».
(٢) «أو المراد منه» سقط من «ح»، وأثبته من «م».