للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول أراد ما يدل على نصوص العلو والاستواء، والثاني أراد ما يدل على المباينة، وأن الله سبحانه بائنٌ من خلقه.

وأمَّا تقرير ذلك بالأدلة العقلية الصريحة فمن طرقٍ كثيرةٍ جدًّا (١):

منها (٢): أنه إذا ثبت بضرورة العقل أنه سبحانه مباينٌ للمخلوقات، وثبت أن العالم كُري ـ كما اعترف به النُّفاة المعطلة، وجعلوه عمدتهم في جحد علوه سبحانه ـ لزم أن يكون الربُّ تعالى في العلو ضرورةً؛ وذلك لأن العالم إذا كان مستديرًا فله جهتان حقيقيتان: العلو والسفل فقط، فإذا كان الربُّ تعالى مباينًا للعالم امتنع أن يكون في السفل، فوجب قطعًا أن يكون في العلو، فإذا كان العالم كُريًّا وقد ثبت بالضرورة أنه إمَّا مُداخل له وإمَّا مُباين له، وليس بمُداخل قطعًا؛ ثبت أنه مباينٌ قطعًا. وإذا كان مباينًا فإمَّا أن يكون تحته أو فوقه قطعًا، وليس تحته بالضرورة، وجب أن يكون فوقه بالضرورة.

ولا جواب عن هذا البتة إلَّا بنفي النقيضين، وهو أنه لا مباين ولا مداخل، وهذا حقيقة العدم المحض، ونفيهما [نظير نفي القدم] (٣) والحدوث عنه، وأن يُقال ليس بقديمٍ ولا حادثٍ، فإن القدم والحدوث من مقولة «متى» وهي ممتنعة عليه، كما أن المباينة والمداخلة من مقولة «أين» وهي ممتنعة عليه. فالشُّبه والأدلة التي تنفي وجود الصانع من جنس الشُّبه التي تنفي مباينته للعالم وعلوه عليه، لا فرق بينهما البتة.


(١) ذكر المصنِّف ثلاثين طريقًا، ثم قال: «فهذه ثلاثون طريقًا مضافة إلى الوجه السابع والأربعين بعد المائة في بيان عدم معارضة العقل للنقل وبيان موافقتهما وتطابقهما».
(٢) هذا هو الوجه الثامن والأربعون بعد المائة.
(٣) «ح»: «بطريقي العدم». والمثبت ما يقتضيه السياق.