للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان تُبدَّل نفسه النَّاطقة (١) في السَّاعة الواحدة أكثر من ألف مرةٍ (٢)، وكل لحظة تذهب روحه وتفارق، وتحدث له روحٌ أخرى غيرها هكذا أبدًا.

وما أقاموه من الشُّبه على أن السماوات والأرض والجبال والبحار تتبدل كل لحظةٍ ويخلفها غيرها.

وما أقاموه من الشُّبه على أن رُوح الإنسان ليست فيه ولا خارجة عنه، وزعموا أن هذا أصحُّ المذاهب في الرُّوح.

وما أقاموه من الشُّبه على أن الإنسان إذا انتقل من مكانٍ إلى مكانٍ لم يمر على تلك الأجزاء التي بين مبدأ حركته ونهايتها ولا قطعها ولا حاذاها، وهي مسألة طفرة النظَّام (٣).

وأضعاف أضعاف ذلك.

وهؤلاء طائفة الملاحدة من الاتحادية كلهم يقول: إن ذات الخالق هي عين ذات المخلوق، لا فرق بينهما البتةَ، وأن الاثنين واحدٌ، وإنما

الحس والوهم يغلط في التعدد. ويقيمون على ذلك شُبهًا كثيرةً قد

نظمها ابن الفارض في «قصيدته» (٤) وذكرها صاحب «الفتوحات» في


(١) «ح»: «الناقصة». والمثبت من «م». والنفس الناطقة هي الروح.
(٢) «مرة» ليس في «ح»، وأثبته من «م».
(٣) ضُرب المثل بهذه المسألة، فقيل: طفرة النظَّام. فإنها ضحكة. قاله الصفدي في «الوافي بالوفيات» (٦/ ١٤).
(٤) القصيدة التائية المشهورة المسماة بـ «نظم السلوك»، قال عنها ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٤/ ٧٣ - ٧٤): «وقد نظم فيها الاتحاد نظمًا رائق اللفظ، فهو أخبث من لحم خنزير في صينية من ذهب، وما أحسن تسميتها بنظم الشكوك، الله أعلم بها وبما اشتملت عليه، وقد نفقت كثيرًا وبالغ أهل العصر في تحسينها والاعتداد بما فيها من الاتحاد». وقال عنها الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (٢٢/ ٣٦٨): «فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال».