للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا وغيره بعض ما تَعرَّف به إلى عباده من كماله (١)، وإلَّا فلا يمكن أحدًا قط أن يُحصي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، فكل الثناء وكل الحمد وكل المجد وكل الكمال له سبحانه. هذا الذي وصلت إليه عقول أهل الإثبات، وتلقَّوْه عن الرَّسول، ولا يحتاجون في ثبوت علمهم وجزمهم بذلك إلى الجواب عن الشُّبه القادحة في ذلك، وإذا وردت عليهم لم تقدح فيما علموه وعرفوه ضرورةً من كون ربهم تبارك وتعالى كذلك وفوق ذلك.

فلو قال لهم قائل: هذا الذي علمتموه لا يثبت إلَّا بجواب عمَّا عارضه من العقليات، قالوا لقائل هذه المقالة: هذا كذبٌ وبهتٌ؛ فإن الأمور الحسية والعقلية واليقينية قد وقع فيها شبهاتٌ كثيرةٌ تُعارض ما عُلم بالحسِّ والعقل، فلو توقف علمنا بذلك على الجواب عنها وحلِّها لم يثبت لها ولا لأحدٍ علمٌ بشيءٍ من الأشياء، ولا نهاية لما تقذف به النفوس من الشُّبه، وهي من جنس الوساوس والخطرات والخيالات التي لا تزال تحدث في النفوس شيئًا فشيئًا. بل إذا جزمنا بثبوت الشيء جزمنا ببطلان ما يُناقض ثبوته، ولم يكن ما يُقدر من الشُّبه الخيالية على نقيضه مانعًا من جزمنا به، ولو كانت الشُّبه ما كانت، فما من موجود يدركه الحسُّ إلَّا ويمكن كثيرًا من النَّاس أن يقيم على عدمه شُبهًا كثيرةً يعجز السَّامع عن حلها.

ولو شئنا لذكرنا لك طرفًا منها تعلم أنه أقوى من شُبه الجهمية النُّفاة لعلو الربِّ على خلقه وكلامه وصفاته.

وقد رأيت أو سمعت ما أقامه كثيرٌ من المتكلمين من الشُّبه على أن


(١) «ح»: «كلامه». والمثبت من «م».