للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كانت سُبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيءٌ من خلقه، ولو كشف حجابَ النور عن تلك السُّبحات لاحترق العالم العُلوي والسُّفلي، فما الظنُّ بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله؟!

وإذا كانت السماوات مع عظمتها وسعتها يجعلها على إصبع من أصابعه، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والبحار على إصبع (١)، فما الظن باليد الكريمة التي هي صفة من صفات ذاته؟!

وإذا كان يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات، على تفنُّن الحاجات، في أقطار الأرض والسماوات، فلا يشتبه عليه ولا يختلط ولا يلتبس ولا يغلطه سمعٌ عن سمعٍ (٢).

ويرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، تحت أطباق الأرض في الليلة الظلماء.

ويعلم ما تُسِرُّه القلوب وأخفى منه، وهو ما لم يخطر لها أنه (٣) سيخطر لها.

ولو كان البحر المحيط بالعالم مدادًا ويحيط به من بعده سبعة أبحر كلها مداد وجميع أشجار الأرض ـ وهو كل نبتٍ قام على ساقٍ ممَّا يُحصد وممَّا لا يُحصد ـ أقلام يُكتب بها، نَفِدَتِ البحار والأقلام ولم ينفد كلامه.


(١) كما في حديث الحبر اليهودي وتصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - له، أخرجه البخاري (٤٨١١) ومسلم (٢٧٨٦) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
(٢) «عن سمع» ليس في «ح»، وأثبته من «م».
(٣) بعده في «ح»، «م»: «سبحانه». وهي زيادة تفسد المعنى، وقد ضرب عليها ناسخ «م».