للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاعتقادهم أن هذه الأخبار على ثلاثة أنواع: نوع يجب ردُّه وتكذيبه، ونوع يجب تأويله وإخراجه عن حقيقته، ونوع يُقَرُّ. وليس لهم في ذلك أصلٌ يرجعون إليه، بل هذا يقول: ما أَثبَتَه عقلُك فأَثْبِتْه، وما نفاه عقلك فانْفِه. وهذا يقول: ما أَثبَتَه كشفُك فأَثْبِتْه، وما لا فلا.

ووجود الرَّسول عندهم كعدمه في المطالب الإلهية ومعرفة الربوبية، بل على قولهم وأصولهم وجوده أضرُّ من عدمه؛ لأنهم لم يستفيدوا من جهته علمًا بهذا الشأن، واحتاجوا إلى دفع ما جاء به، إمَّا بتكذيبٍ، وإمَّا بتأويلٍ، وإمَّا بإعراضٍ وتفويضٍ.

فإن قيل: لا يمكن أن يُعلم أنه أخبر بما ينافي العقل؛ فإنه منزَّهٌ عن ذلك، وهو ممتنعٌ عليه.

قيل: هذا إقرارٌ باستحالة معارضة العقل للسمع، واستحالة المسألة، وعُلم أن جميع أخباره لا يناقض العقل فيها شيءٌ.

فَغَدَا النَّقْلُ سَالِمًا مِنْ مُنَافٍ ... وَاسْتَرَحْنَا مِنَ الصُّدَاعِ جَمِيعَا (١)

فإن قيل: بل المعارضة ثابتةٌ بين العقل وبين ما يُفهِمه ظاهر اللفظ، وليست ثابتة بين العقل وبين نفس ما أخبر به الرَّسول، فالمعارضة ثابتةٌ بين العقل وبين ما يظهر أنه دليلٌ وليس بدليلٍ، أو (٢) يكون دليلًا ظنيًّا لتطرُّق الظنِّ إلى بعض مقدماته إسنادًا أو متنًا.


(١) عجز البيت لابن نُباتة، من أبيات له في «ديوانه» (ص ٣١١ - ٣١٢)، والبيت هو:
فقلت ليسا له ولا ليَ تُعزى ... وَاسْتَرَحْنَا مِنَ الصُّداع جميعَا
(٢) «ح»: «وأن». والمثبت من «م».