للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثل هذا وصفه سبحانه بأنه الكبير المتعال (١)، فالكبير يُوصف به الذات وصفاتها القائمة بها، فيقال: هذا أكبر من هذا حِسًّا ومعنًى وسنًّا.

وكذلك الطول يقال: هو أطول يدًا منه صورةً ومعنى. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لنسائه: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا» (٢). فكلهن يمددن أيديهن أيهن أطول، وكانت (٣) زينب أولهن موتًا، وكانت أطولهن يدًا بالخير والصدقة.

وكذلك السعة والبسطة تكون في الذوات والمعاني، كما قال تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي اِلْعِلْمِ وَاَلْجِسْمِ} [البقرة: ٢٤٥]، فكبر قدرُه في باطنه بالعلم وفي ظاهره باشتداد الجسم، فكمل ظاهره وباطنه ومعناه وصورته. وهذا أكمل من أن يكمل معناه وفِكره (٤) دون ذاته وصورته. وهذا شأنه سبحانه فيما يريد تكميله مِن خَلْقه، فإنه يكمله ذاتًا ومعنى ظاهرًا وباطنًا، كما قال تعالى في أهل الجنة: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: ١١] فكمَّل ظواهرهم بالنضرة، وبواطنهم بالمسرَّة.

وقال تعالى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: ٢١] فهذا زينة ظواهرهم، وهذا زينة بواطنهم.

وقال (٥): {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (٢١) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌٌ} [القيامة: ٢١ - ٢٢] فكمل ظواهرهم بالنضرة (٦)، وبواطنهم بالنظر إليه.


(١) قال تعالى: {عَالِمُ اُلْغَيْبِ وَاَلشَّهَادَةِ اِلْكَبِيرُ اُلْمُتَعَالِ} [الرعد: ١٠].
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٢٤) ومسلم (٢٤٥٢) عن عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) «ح»: «وكان».
(٤) «ح»: «ويكره». ولعل المثبت هو الصواب.
(٥) «ح»: «وقالوا».
(٦) «ح»: «بالنظرة».