للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كان الثاني فبيِّنوه، فإنا بعد الإنصاف (١) جرَّبنا أنفسنا فلم نجد للمدح والذمِّ حاصلًا وراء الفعل المؤدي إلى الفرح والحزن».

فليتدبَّر العاقل هذا الكلام حقَّ التدبُّر وما يلزم منه، فإنه إذا كان حقيقة المدح هو الخبر الذي يتضمن فرح الممدوح ولذته، والذمُّ خبرٌ يتضمن ألم المذموم فلا يتصور مدحٌ ولا ذمٌّ عنده إلَّا مع اللذة والألم. وقد عُلم بالاضطرار من دين المسلمين كلهم، بل ومن دين جميع الرسل أن الله سبحانه يُحمد ويُمدح ويُثنى عليه، وأنه يحب ذلك ويرضاه ويأمر به، بل حمده والثناء عليه من أعظم الطاعات وأجلِّ القربات.

وفي «المسند» (٢) من حديث الأَسْود بن سَرِيع قال: أَتَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يا رسول الله، إنِّي قد حَمِدتُ ربي تبارك وتعالى بِمحامِدَ ومِدَحٍ، وإيَّاكَ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَا إِنَّ رَبَّكَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمَدْحَ، هَاتِ مَا امْتَدَحْتَ بِهِ رَبَّكَ». فقال: فجَعَلتُ أُنْشِدُه.

وفي «الصحيحين» (٣) من حديث عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ


(١) «نهاية العقول»: «الاتصاف».
(٢) (١٥٨٣٠). والحديث أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٨٦٨) والنسائي في «السنن الكبرى» (٧٦٩٨) والطبراني في «المعجم الكبير» (١/ ٢٨٢) والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٦١٤) والضياء في «الأحاديث المختارة» (٤/ ٢٥٠ - ٢٥٢) وغيرهم. وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه». وقال الهيثمي في «المجمع» (٨/ ١١٨): «رواه أحمد والطبراني بنحوه بأسانيد، ورجال أحدها عند أحمد رجال الصحيح». وصححه الألباني في «الصحيحة» (٣١٧٩).
(٣) البخاري (٤٦٣٤) ومسلم (٢٧٦٠).