للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن تدبَّر سيرتهم في أنفسهم وفي خاصتهم وفي العامة وصبرهم وزهدهم في الدنيا ورغبتهم في الله وما عنده، واشتمالهم من الأخلاق على أزكاها، ومن الشِّيم على أرضاها، وأنهم أصدق الخلق وأبرهم قلوبًا، وأزكاهم نفوسًا، وأعظمهم أمانةً، وأكرمهم عشرةً، وأعفهم ضمائر، وأطهرهم سريرةً = لم يشك أنهم أعقل خلق الله على الإطلاق. ولا ريب أن كل من كان إليهم أقرب كان حظُّه من العقل أوفر، والعلوم والأعمال والسِّيرة والدلائل على ذلك (١).

وأمَّا أعداؤهم وخصومهم فقد ظهر من نقصان عقولهم ما كان الحيوان البهيم أحسن به حالًا منهم؛ فإنه لا يقدم على هلاكه، وخصماء الرُّسل وخصماء أتباعهم متهافتون في أسباب هلاكهم (٢) تهافت الفراش في النار، وظهر نقصان هذه العقول في علومهم ومعارفهم، مثل ظهوره في أعمالهم أو أعظم، فإن كل من له نورٌ وبصيرةٌ إذا عرض على العقل الصحيح والفطرة السليمة ما جاءت به الرُّسل وما قالته النُّفاة المعطلة في الله جل جلاله؛ تبين له الذي بينهما من الفَرْق أعظم ممَّا بين القَدَم [والفَرْق] (٣).

ومن أعظم المحال أن يكون أعقل الخلق وأعقل الأُمم مطبقين على الانقياد لكتابٍ قد خالفه صريح العقل، ويكون ذلك الكتاب متضمنًا لخلاف (٤) الصواب في أعظم مطالب الدعوة الإلهية، وظاهره ضلالٌ


(١) كذا في «ح»، ولعل في الكلام سقطًا.
(٢) «ح»: «هلا لزم». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) يعني: فَرْق الرأس، وفي «ح»: «الفرق»، تحريف.
(٤) «ح»: «الخلاف».