للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا أصَّلت المعتزلةُ القول بنفوذ الوعيد، وأن مَنْ دخل النار لم يخرج منها أبدًا، أوَّلُوا كل ما خالف أصولهم (١).

ولمَّا أصَّلت المرجئةُ أنَّ الإيمان هو المعرفة، وأنَّها لا تزيد ولا تنقص، أوَّلوا ما خالف أصولهم.

ولمَّا أصَّلت الكُلَّابيةُ أنَّ الله سبحانه لا يقوم به ما يتعلق بقدرته ومشيئته، وسمَّوْا ذلك حلولَ الحوادث، أوَّلوا كل ما خالف هذا الأصل.

ولمَّا أصَّلت الجبريةُ أنَّ قدرة العبد لا تأثيرَ لها في الفعل بوجهٍ من الوجوه، وأن حركات [ق ٨ أ] العباد بمنزلة هُبوب الرياح وحركات الأشجار، أوَّلوا كل ما جاء بخلاف ذلك.

فهذا في (٢) الحقيقة هو عيار التأويل عند الفرق كلِّها، حتى المقلِّدين في الفروع ـ أتباع الأئمة الذين اعتقدوا المذهب ثم طلبوا الدليل عليه ـ ضابطُ ما يُتأوَّل عندهم وما لا يُتأوَّل: ما خالف المذهبَ أو وافقَه. ومَن تأمَّل مقالات الفرق ومذاهبها رأى ذلك عِيانًا، وبالله التوفيق.

وكلٌّ مِن هؤلاء يتأول دليلًا سمعيًّا، ويُقِرُّ على ظاهره نظيرَه أو ما هو أشد (٣) قبولًا للتأويل منه؛ لأنه ليس عندهم في نفس الأمر ضابطٌ كُلي (٤) مطَّرِد منعكس، يُفرَّق به بين (٥) ما يُتأوَّل وما لا يُتأوَّل، إن هو إلَّا المذهب وقواعده وما قاله الشيوخ. وهؤلاء لا يمكن أحدًا (٦) منهم أن يحتج على


(١) قوله: «ولما أصَّلت المعتزلة» إلى هنا ليس في «ح».
(٢) في «ب»: «هو». وكتب فوقه: «في».
(٣) «ب»: «شواهد».
(٤) «ح»: «جلي».
(٥) «به بين» من «ب».
(٦) «ح»: «أحد».