للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاهر مَنِ اتصف بالقوة والغلبة، ولا يُعقل هذا (١) إلَّا جسمًا، فإن أثبته العقل غير جسمٍ لم يعجز عن إثبات فوقية الذات لغير جسمٍ.

وكذلك مَن تأوَّل الإصبعَ بالقدرة، فإن القدرة أيضًا صفةٌ قائمة بالموصوف وعَرَضٌ من أعراضه، ففَرَّ من صفةٍ إلى صفةٍ.

وكذلك من تأوَّل الضحِكَ بالرضى، والرضى بالإرادة، إنما فرَّ من صفةٍ إلى صفةٍ.

فهلَّا أقرَّ النصوص على ما هي عليه، ولم ينتهك حُرمتَها؛ إذ (٢) كان التأويل لا يُخرِجه ممَّا فرَّ منه، فإن المتأول إمَّا أن يذكر معنًى ثبوتيًّا، أو يتأوَّل اللفظ بما هو عدمٌ محضٌ، فإنْ تأوَّله بمعنى ثبوتي كائنًا ما كان لزمه فيه نظيرُ ما فرَّ منه.

فإن قال: أنا أثبتُّ ذلك المعنى على وجهٍ لا يستلزم تشبيهًا.

قيل له: فهلَّا أثبتَّ المعنى الذي تأوَّلتَه على وجهٍ لا يستلزم تشبيهًا.

فإن قال: ذلك أمر (٣) لا يُعقَل.

قيل له: فكيف عَقلتَه في المعنى الذي أثبتَّه، وأنت وسائرُ أهل الأرض إنما تفهم المعانيَ الغائبة بما تفهمها به في الشاهد (٤)، ولولا ذلك لما عقلتَ أنت ولا أحدٌ شيئًا غائبًا البتةَ، فما أبديتَه في التأويل إن كان له نظيرٌ في الشاهد


(١) «هذا» ليس في «ح».
(٢) «ح»: «أو».
(٣) «ب»: «أمرًا».
(٤) «ح»: «المشاهدة».