للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال السُّني (١) المعظِّم لحرمات كلام الله: قدِ ادعيتَ أيها الجهمي أن ظاهر القرآن، الذي هو حُجَّة الله على عباده، والذي هو خير الكلام وأصدقُه وأحسنه وأفصحه، وهو الذي هدى اللهُ به عباده، وجعله شفاءً لما في الصدور وهدًى ورحمةً للمؤمنين، ولم ينزل كتابٌ من السماء أهدى منه ولا أحسنُ ولا أكمل، فانتهكتَ حُرمته وعضهته (٢)، ونسبتَه إلى أقبح النقص والعيب؛ فادعيتَ أن ظاهره ومدلوله إثبات شخصٍ له وجهٌ وفيه أعينٌ كثيرةٌ، وله جنبٌ واحدٌ وعليه أيدٍ كثيرةٌ، وله ساقٌ واحدٌ. فادعيتَ أن ظاهر ما وصف اللهُ به نفسه في كتابه يدل على هذه الصفة الشنيعة المستقبَحة، فيكون سبحانه قد وصف نفسه بأشنع الصِّفات في ظاهر كلامه. فأيُّ طعنٍ في القرآن أعظمُ مِن طعن مَن يجعل هذا ظاهره ومدلوله؟! وهل هذا إلَّا مِن جنس قول الذين جعلوا القرآن عِضين (٣)، فعضهوه (٤) بالباطل، وقالوا: هو سحر أو شِعر أو كذبٌ مُفترى؟ بل هذا أقبح من قولهم من وجهٍ، فإن أولئك أقروا بعظمة الكلام وشرف قدْره وعلوِّه وجلالته، حتى قال فيه رأسُ الكفر: «والله إن لِكلامه لَحلاوةً، وإن عليه لَطلاوةً، وإن أسفله لمُغدِق، وإن أعلاه لجنًى (٥)


(١) «السني» ليس في «ح».
(٢) «ح»: «وعظمته». وعضهته: أي رميته بالكذب والبهتان. «الصحاح» (٦/ ٢٢٤١).
(٣) قال الواحدي في «التفسير البسيط» (١٢/ ٦٦٢ - ٦٦٣): «قال ابن عباس في قوله {اَلَّذِينَ جَعَلُوا اُلْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: ٩١]: «يريد جزَّؤوه أجزاءً، فقالوا: سحر، وقالوا: أساطير الأولين، وقالوا: مفترى». وهذا قول قتادة، واختيار الزجاج وأبي العباس وأبي عبيدة».
(٤) في «ب»: «فعظهوه» بالظاء. وفي «ح»: «فعظموه». وهو تحريف.
(٥) «ب»: «لمثمر» وعليه علامة نسخة. ثم كتب على الحاشية: «لجنًى» وصححه. قلت: المشهور في هذا الأثر لفظ «لمثمر». فكأن المثبت رواية بالمعنى ..