للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تكن تخطر له على بالٍ، ولا تدور له في خيال، ويرى أمواجًا من زَبَد الصدور تتلاطم، ليس لها ضابط إلَّا سوانحُ وخواطر وهوسٌ تقذف به النفوس التي لم يؤيِّدها الله بروح الحق، ولا (١) أشرقت عليها شمسُ الهداية، ولا باشرت حقيقةَ الإيمان، فخواطرُها وهوسُها لا غايةَ له يقف عندها. فإن أردت الإشراف على ذلك فتأمَّلْ كُتب المقالات والآراء والدِّيانات، تجدْ كل ما يخطر ببالك قد ذهب إليه ذاهبون، وصار إليه صائرون، ووراء ذلك ما لم يخطر لك على بالٍ.

وكلُّ هذه الفرق تتأول نصوص الوحي على قولها، وتحمله على تأويلها؛ ومع ذلك فتجد أُولِي العقول الضعيفة إلى الاستجابة لهم مسارِعين، وفي القبول منهم راغبين. فهم مبادرون إلى أخْذِ ما يوردونه عليهم، وقبولهم إيَّاه عنهم، وعلى الدعوة إليه هم أشد حرصًا منهم على الدعوة إلى الحق الذي جاءت به الرُّسل. ولم يُوجد الأمر في قبول دعوة الرسل كذلك، بل قد عُلم ما لَقِيَ المرسلون في الدعوة إلى الله من الجَهْد والمشقة والمكابدة، ولقُوا أشد العناء والمكروه، وقاسوا أبلغ الأذى، حتى استجاب لهم مَنِ استجاب إلى الحق الذي هو مُوجِب الفِطَر، وشقيق الأرواح، وحياة القلوب، وقرة العيون، ونجاة النفوس، حتى إذا أطْلَعَ شيطان التأويل رأسَه، وأبدى لهم عن ناجذيه، ورفع لهم عَلَمًا [ق ١٧ أ] من التأويل، طاروا إليه زَرَافاتٍ ووُحدانًا. فهم إخوان السِّفِلة الطَّغَام، أشباه الأنعام، بل أضل من الأنعام، طَبْلٌ يجمعهم، وعصًا تفرِّقُهم! فانظر ما لَقِيَه نوح وإبراهيم وصالح وهود وشعيب وموسى وعيسى ومحمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ في


(١) «لا» ليس في «ح».