للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقولون للمغرور المخدوع: وازِنْ بين هؤلاء وهؤلاء، وحكِّمْ عقلك، وانظرْ إلى نتيجة الحق والباطل. فيتهيأ لهم بهذا الخداع ما لا يتهيأ بالجيوش، وما لا يطمع في الوصول إليه بدون تلك (١) الجهة.

ثم من أعظم جنايات التأويل على الدِّين وأهله وأبلغها نكايةً فيه أن المتأول يجد بابًا مفتوحًا لما يقصده من تشتيت كلمة أهل الدِّين وتبديد نظامهم، وسبيلًا سهلة إلى ذلك. فإنه يحتجر (٢) من المسلمين بإقراره معهم بأصل التنزيل، ويدخل نفسه في زُمرة أهل التأويل، ثم بعد ذلك يقول ما شاء ويدعي ما أحب. ولا يُقدَر (٣) على منعه من ذلك لادعائه أن أصل التنزيل مشتركٌ بينك وبينه، وأن عامة الطوائف المُقِرَّة به (٤) قد تأولت كل طائفةٍ لنفسها تأويلًا ذهبت (٥) إليه، فهو يُبدِي نظيرَ تأويلاتهم ويقول: ليس لك أن تبدي في التأويل مذهبًا إلَّا ومثله سائغ لي، فما الذي أباحه لك وحظَرَه عليَّ، وأنا وأنت قد أقررنا بأصل التنزيل، واتفقنا على تسويغ (٦) التأويل؟ فلِمَ كان تأويلك مع مخالفته لظاهر التنزيل سائغًا، وتأويلي أنا مُحرَّمًا؟ فتعلُّقه بهذا أبلغُ مكيدةٍ يستعملها، وأنكى سلاحٍ يحارب به. فهذه الآفات وأضعافها إنما لقيها أهل الأديان من المتأولين (٧)، فالتأويل هو الذي فرَّق اليهود إحدى


(١) من قوله: «بهذا الخداع» إلى هنا سقط من «ح».
(٢) «ب»: «يحتجز».
(٣) كذا ضبط في «ب» وقد يكون تصحيف: «ولا تقدر» لقوله فيما بعد: «بينك وبينه».
(٤) «ح»: «المعروفة»، تحريف.
(٥) «ح»: «وادعت». ولعل صوابه «ودَعَتْ».
(٦) «ح»: «تنويع».
(٧) «ح»: «التأويل وإلا».