للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: قوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} لرفع الوهم لمتوهمٍ أنه يحط الآباء إلى درجة الأبناء ليحصل الإلحاق والتبعية، فأزال هذا الوهم بقوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم} (١) أي: ما نقصنا الآباءَ بهذا الإتباع شيئًا مِن عملهم، بل رفعنا الذرية إليهم قرةً لعيونهم، وإن لم يكن لهم أعمالٌ يستحقون بها تلك الدرجة.

ومنها: قوله: {كُلُّ اُمْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}، فلا يتوهم متوهم أن هذا الإتباع حاصلٌ في أهل الجنة وأهل النار، بل (٢) هو للمؤمنين دون الكفار، فإن الله سبحانه لا يعذِّب أحدًا إلَّا بكسبه، وقد يُثِيبه من غير كسبٍ منه.

ومنها: قوله تعالى: {يَانِسَاءَ اَلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ اَلنِّسَا إِنِ اِتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ اَلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: ٣٢]. فلمَّا أمرهن بالتقوى التي من شأنها التواضع ولِينُ الكلام نهاهن (٣) عن الخضوع بالقول؛ لئلَّا يطمع فيهن ذو المرض، ثم أمرهن بعد ذلك بالقول المعروف رفعًا لتوهُّمِ الإذن في الكلام المنكر لمَّا نُهِينَ عن الخضوع بالقول.

ومن ذلك قوله: {وَكُلُوا وَاَشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُلْخَيْطُ اُلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اِلْأَسْوَدِ مِنَ اَلْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٦]، فرفعَ توهُّمَ فَهْم الخيطينِ من الخيوط بقوله: {مِنَ اَلْفَجْرِ} (٤).


(١) {مِّنْ عَمَلِهِم} ليس في «ب».
(٢) «النار بل» في «ح»: «التأويل».
(٣) «ح»: «نهى».
(٤) أخرج البخاري (١٩١٧) ومسلم (١٠٩١) عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «أُنزلت {وَكُلُوا وَاَشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُلْخَيْطُ اُلْأَبْيَضُ مِنَ اَلْخَيْطِ اِلْأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ اَلْفَجْرِ}. فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رِجْله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد {مِنَ اَلْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار».