للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفرده بالإلهية بتفرده بالخلق، وعلى بطلان إلاهية ما سواه بعجزهم عن الخَلْق، وعلى أنه واحدٌ بأنه قهار، والقهر التام يستلزم الوحدة، فإن الشركة تنافي تمام القهر.

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا اَلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاَسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اِللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ اُلذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ اَلطَّالِبُ وَاَلْمَطْلُوبُ (٧١ ) مَا قَدَرُوا اُللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اَللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٧١ - ٧٢]. فتأمَّلْ هذا المثل ـ الذي أمر الناس كلهم باستماعه، فمن لم يستمعه (١) فقد عصى أمره ـ كيف تضمن إبطال الشرك وأسبابه بأصحِّ برهانٍ في أوجز عبارةٍ وأحسنها وأحلاها، وأَسْجَلَ (٢) على جميع آلهة المشركين أنهم لو اجتمعوا كلهم في صعيدٍ واحدٍ، وساعد بعضهم بعضًا وعاونه بأبلغ المعاونة، لَعجزوا عن خَلْق ذبابٍ واحدٍ. ثم بيَّن (٣) ضعفهم وعجزهم عنِ استنقاذ ما يسلبهم الذباب إيَّاه حين يسقط عليهم. فأي شيءٍ (٤) أضعف من هذا الإله المطلوب، ومِن عابدِه الطالبِ نفعَه وخيرَه (٥)! فهل قدَّر القويَّ العزيزَ حقَّ قدره من أشرك معه آلهةً هذا شأنها!

فأقام سبحانه حُجة التوحيد، وبيَّن إفك أهل الشرك والإلحاد بأعذب ألفاظ وأحسنها، لم يستكرهها غموضٌ، ولم يُشِنْها تطويلٌ، ولم يعبها


(١) «ح»: «يسمعه».
(٢) أسجلَ لهم الأمرَ: أطلقه لهم. «تاج العروس» (١٤/ ٣٣٤).
(٣) «ح»: «تبين».
(٤) «ح»: «إله من».
(٥) «ح»: «وحده».