للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا قال شعيب لقومه: {قَدِ اِفْتَرَيْنَا عَلَى اَللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اَللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اَللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اَللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [الأعراف: ٨٨]، فردَّت الرُّسل العلم بما يفعله الله إليه، وأنه إذا شاء شيئًا فهو أعلم بما يشاؤه، ولا علم لنا بامتناعه وعدم كونه.

ثم رجع الخليل إليهم مُقرِّرًا للحُجة فقال: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ اُلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٨٢].

يقول لقومه: كيف يسوغ في عقلٍ أو عند ذي لبٍّ أن أخاف ما جعلتموه لله شريكًا في الإلهية، وهي ليست بموضع نفعٍ ولا ضرٍّ، وأنتم لا تخافون أنكم أشركتم بالله في إلهيته أشياء لم ينزل بها حُجة عليكم، ولا شرعها لكم. فالذي أشرك بخالقه وفاطره وبارئه ـ الذي يُقرُّ بأنه خالق السماوات والأرض، وربُّ كل شيءٍ ومليكه، ومالك الضر والنفع= آلهةً لا تخلق شيئًا وهي مخلوقةٌ، ولا تملك لأنفسها ولا لعابديها ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؛ وجعلها ندًّا له (١)، ومثلًا في الإلهية تُعبَد ويُسجَد لها ويُخضَع لها ويُتقرَّب إليها= أحقُّ بالخوف ممَّن لم يجعل مع الله إلهًا آخر، بل وحَّده وأفرَده بالإلهية والربوبية والعظمة والسلطان والحب والخوف والرجاء. فأي الفريقين أحقُّ بالأمن إن كنتم تعلمون؟!

فحكَمَ الله سبحانه بينهما بأحسن حكمٍ خضعت له القلوب، وأقرت به


(١) «له» ليس في «ب».