للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك ونفوا علمه؛ فأكفرهم السلف قاطبةً.

وهذا التقرير من الآية صحيحٌ على التقديرين، أعني: تقدير أن تكون «مَن» في محل رفع على الفاعلية، وفي محل نصب على المفعولية، فعلى التقدير الأول: ألا يعلم الخالق الذي شأنه الخلق. وعلى التقدير الثاني (١): ألا يعلم الربُّ مخلوقَه ومصنوعه (٢).

ثم ختم الحُجة باسمَيْنِ مقتضيين لثبوتها، وهما:

{اَللَّطِيفُ}: الذي لَطُفَ صُنْعُه وحكمته ودقَّ حتى عجزت عنه الأفهام.

و {اُلْخَبِيرُ} الذي انتهى علمه إلى الإحاطة ببواطن الأشياء وخفاياها، كما أحاط بظواهرها.

فكيف يخفى على اللطيف الخبير ما تحويه الضمائر وتخفيه الصدور؟!

ومن هذا احتجاجه سبحانه على المشركين بالدليل المقسم الحاصر (٣) الذي لا يجد سامعه إلى ردِّه ولا معارضته سبيلًا، حيث يقول تبارك وتعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ اُلْخَالِقُونَ (٣٣ ) أَمْ خَلَقُوا اُلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} [الطور: ٣٣ - ٣٤]. فتأمل هذا الترديد والحصر المتضمن لإقامة الحُجة بأقرب طريقٍ وأفصح عبارةٍ. يقول تعالى: هؤلاء مخلوقون بعد أن لم يكونوا، فهل خُلقوا من غير خالقٍ خلقهم، فهذا من المحال الممتنع عند كل


(١) من قوله: «ألا يعلم الخالق» إلى هنا سقط من «ح».
(٢) ذكَرَ القولين الواحديُّ في «التفسير البسيط» (٢٢/ ٥١ - ٥٢) والبغوي في «معالم التنزيل» (٨/ ١٧٨).
(٣) «ح»: «الخاص».