للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجهل. وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة، وحملوا حديثهم، واحتج به المسلمون، ولم يزل الفقهاء يَنقُلون خلافهم ويبحثون معهم. والقوم وإن أخطؤوا في بعض المواضع لم يلزم من ذلك أن يكون جميع ما قالوه خطأً حتى يُردَّ عليهم. هذا لو انفردوا بذلك عن الأُمة، فكيف وقد وافقوا في قولهم من قد حكينا قولهم وغيره ممَّن لم نقف على قوله!

الوجه العاشر: أنه لم يَزَلْ أئمَّة الإسلام يُفتُون بما يظهر لهم من الدليل وإن لم يتقدمهم إليه أحدٌ. وإذا شئت أن تقف على ذلك فانظر إلى كثيرٍ من فتاوى الأئمة التي لا تُحفَظ عن أحدٍ من أهل العلم قبلهم.

قال إسحاق بن منصور الكَوْسَجُ: سألت إسحاق عن مسألةٍ، فذكر قوله فيها، فقلت: إن أخاك أحمد بن حنبل أجاب فيها بمثل جوابك. فقال: ما ظننت أن أحدًا يوافقني عليها (١).

وقال ابن المنذر (٢) ـ وهو من أعلم الناس بالإجماع والاختلاف ـ: «لم


(١) نقله ابن حزم في «المحلى» (٧/ ٢٢٤) بنحو هذا اللفظ. والذي في «مسائل أحمد وإسحاق» للكوسج (٥/ ٢٠٧٤ - ٢٠٧٥): «قلت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل: العمرة واجبة؟ قال: هي واجبة. قلت: ويقضي منها المتعة؟ قال: نعم. قال إسحاق: كما قال، وأجاد، ظننت أنَّ أحدًا لا يتابعني عليه». وهذا اللفظ لا يصلح للاستدلال به هنا، لأن المصنِّف وضعه تحت عنوان: «أنه لم يَزَلْ أئمَّة الإسلام يُفتُون بما يظهر لهم من الدليل وإن لم يتقدمهم إليه أحدٌ». ولا ينطبق هذا على مسألة وجوب العمرة وأنه يقضي منها المتعة.
(٢) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وووجدت ابن المنذر يقول في كتاب «الإجماع» (ص ٣٥): «أجمعوا أن الصلاة في مرابض الغنم جائزة. وانفرد الشافعي فقال: إذا كان سليمًا من أبوالها». بل وجدت ابن المنذر يقول في «الأوسط» (٢/ ٣٢٢): «وقال أبو ثور كقول الشافعي في الأبوال والأرواث أنها كلها نجسة رطبًا كان أو يابسًا. وقال الحسن: البول كله يُغسل. وكان يكره أبوال البهائم كلها، يقول: اغسل ما أصابك منها. وقال حماد في بول الشاة: اغسله». ووجدت الماوردي يقول في «الحاوي الكبير» (٢/ ٢٤٩): «مذهب الشافعي أن أبوال جميعها وأرواثها نجسة بكل حال، وبه قال من الصحابة ابن عمر، ومن التابعين الحسن، ومن الفقهاء أبو ثور».