للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير ذلك. ولو ساغ ذلك لم يكن [ب ٨٨ ب] أحدٌ يحتجُّ بدليلٍ شرعيٍّ لجواز أن يكون منسوخًا وهو لا يعلم ناسخه، ولم يشهد أحدٌ لأحدٍ بمِلْك لجواز أن يكون خرج عن مِلْكه ببيعٍ أو تبرُّعٍ، ولم يشهد أحدٌ لأحد بزوجيةِ امرأةٍ ولا رِقِّ عبدٍ لجواز أن يكون طلَّق وأعتق. وفتح باب التجويزات لا آخِرَ له، ولا ثقةَ معه البتَّةَ.

وهذا الباب قد دخل منه على الإسلام دَخَلٌ (١) عظيمٌ وخَطْبٌ جسيمٌ، وأهل الباطل على اختلاف أصنافهم لا يزالون يتعلَّقون (٢) به، ولا تزال تَعمِد كلُّ طائفةٍ منهم إلى آيةٍ من كتاب الله فيقودها (٣) إلى مذهبه الذي يدعو إليه، ويدَّعي أن لها دلالةً خاصةً عليه، وكذلك يفعل في كثيرٍ من الأخبار التي يَجُرُّها إلى معتقده.

وليست المحنة التي عرضت في هذا الباب مقصورة على أهل الإسلام فقط، بل هي مشترِكة بين جميع أهل الأديان والمِلَل. ومَن أعطى التَّأمُّل حقَّه وجد أكثر ما ادَّعاه أهل التأويلات المستشنعة وأهل الباطل من جهة إخراج الألفاظ عن حقائقها، وفتح أبواب الاحتمالات والتجويزات عليها، وتغليب الخصوص على العموم، وادِّعائهم أن الأغلب في ألفاظ العموم إنما هو الخصوص دون العموم ذَهابًا منهم في ذلك إلى أن البيان الشَّافي إنما هو في المعنى الخاص دون العام، وأنه المتيقَّن من اللفظ، فإن ظَفَرَ به وإلَّا قال:


(١) «ب»: «مدخل». ولعل المثبت هو الصواب، والدخل: الفساد. «الصحاح» (٤/ ١٦٩٧).
(٢) «ب»: «يتقلقون». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) كذا في «ب» بتذكير الفعل وما بعده في العبارة.