للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغلطها تفرُّد الحسِّ بها عن العقل.

وكذلك حكم السمع قد يكون كاذبًا، وقد يكون صادقًا ضرورةً ونظرًا، وقد يكون ظنيًّا، فإذا قارنه العقل كان حكمه علمًا ضروريًّا ونظريًّا (١) كالعلم بمجرد الأخبار المتواترة، فإنه حصل بواسطة السمع والعقل، فإن السمع أدَّى إلى العقل ما سمعه من ذلك، والعقل حكم بأن المُخبرِينَ لا يمكن تواطؤهم على الكذب، فأفاده علمًا ضروريًّا أو نظريًّا على الاختلاف في ذلك بوجود المخبَر به، والنزاع في كونه ضروريًّا أو نظريًّا لفظيٌّ (٢) لا فائدة فيه.

وكذلك الوهم (٣) يدرك أمورًا لا يدري صحيحة هي أم باطلة، فيردها إلى العقل الصريح، فما صححه منها قَبِلَه، وما حكم ببطلانه ردَّه.

فهذا أصلٌ يجب الاعتناء به ومراعاته، وبه يُعلم الصحيح من الباطل.

فإذا عُرف هذا فمعلومٌ أن السمع الذي دلَّ العقل على صحته أصح من السمع الذي لم يشهد له عقلٌ. ولهذا كان الخبر المتواتر أعرف عند العقل من الآحاد، وما ذاك إلَّا لأن دلالة العقل قد قامت على أن المخبرين لا يتواطؤون على الكذب، وإن كان الذي أخبروا به مخالفًا لما اعتاده المُخبَر وأَلِفَه وعَرَفه، فلا يجد مَحِيدًا عن تصديقهم.


(١) «ح»: «ونظير». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «نظير العظمي».
(٣) الوهم: من خطرات القلب، والجمع أوهام، وللقلب وهم، وتوهَّم الشيء: تخيَّله وتمثَّله، كان في الوجود أو لم يكن. «لسان العرب» (١٢/ ٦٤٣). وينظر «التعريفات» للجرجاني (ص ٢٧٦).