للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو أردتم بالجسم ما يُقال: أين هو؟ فقد سأل أعلم الخلق به عنه بأين (١) منبِّهًا على علوه على عرشه، وسمع السؤال بأين وأجاب عنه (٢)، ولم يقل هذا السؤال إنما يكون عن الجسم.

وإن أردتم بالجسم ما يلحقه «مِن» و «إلى» فقد نزل جبريل من عنده، ونزل كلامه من عنده، وعرج برسوله إليه، وإليه يصعد الكلم الطيب، وعنده المسيح رُفع إليه.

وإن أردتم بالجسم ما يتميز منه أمرٌ عن (٣) أمرٍ، فهو سبحانه موصوفٌ بصفات الكمال جميعها من السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة، وهذه صفات متميزة متغايرة، ومن قال: إنها صفة واحدة، فهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء. وقد قال أعلم الخلق به: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ» (٤). والمستعاذ به غير المستعاذ منه. وأمَّا استعاذته - صلى الله عليه وسلم - به منه فباعتبارين مختلفين، فإن الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوفٍ واحدٍ وربٍّ واحدٍ، فالمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف (٥) بهما منه.


(١) أخرجه مسلم، وهو حديث الجارية، وقد تقدم تخريجه (ص ١٢٤).
(٢) يعني: حديث أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - لما سأل النبي (بقوله: «أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض ... » الحديث. أخرجه أحمد (١٦٤٣٨، ١٦٤٥٠) والترمذي (٣١٠٩) وابن ماجه (١٨٢) وابن حبان (٦١٤٠) وقال الترمذي: «حديث حسن».
(٣) «ح»: «عين». والمثبت من «م».
(٤) أخرجه مسلم (٤٨٦).
(٥) «ح»: «من الموصوف». والمثبت من «م».